الحائل بين الإمام والمأموم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبرنا الله – تعالى – بأنه لا يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون، لا يستوي من يعبد الله وهو يعلم كيف يعبده، ويعلم أنه يعبده على شريعة الله – تعالى -، وسنة رسوله ﷺ، ومن يعبده على تقليد، فينبغي على المسلم تعلم دين الله – تعالى -، وكيف يعبد ربه على بصيرة وبينة.
وسيتم الحديث هنا على مسألة من مسائل الإمامة، وهي الفاصل أو الحائل بين الإمام والمأموم.
إن تباعد الصفوف عن بعضها إن كان في المسجد فالصلاة صحيحة، ولكن يكره لهم ذلك لمخالفة ذلك للسنة؛ والصلاة صحيحة لأن اتصال الصفوف بالمسجد وتقاربها ليس لازماً، وأما خارج المسجد فلأنه ليس محلاً للجماعة فيشترط فيه اتصال الصفوف، وإذا اتصلت الصفوف صحت الصلاة وإن كان بينهما حائل إذا علم المأموم حال الإمام.
وقيل بجواز تباعد الصفوف إن كانت شروط المتابعة حاصلة، ومن صلى خارج المسجد وأبواب المسجد مغلقة فصلاته صحيحة، وكذلك تصح صلاة من صلى في الطريق، والرحبة، وطاقات المسجد، ما داموا يرون المأمومين، ويسمعون صوت الإمام، وصفوفهم متصلة؛ وذلك لتوفر شروط المتابعة للإمام، ودليل ذلك: حديث عائشة – رضي الله عنها – في التراويح وفيه: “كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي ﷺ فقام أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً”1.
والشاهد قولها: “وجدار الحجرة قصير، فقام أناس يصلون بصلاته” ووجه الدلالة: أنه صلى الصحابة خلف رسول الله ﷺ وبينهم جدار وهم يرونه؛ وهذا يدل على أن الرؤية من أهم أسباب القدرة على المتابعة، وإذا كان المأموم قادراً على متابعة إمامه، والصفوف متصلة؛ جاز له ذلك.
أما إذا كان بين الإمام والمأمومين حائل فاصل كنهر، وطريق، وبئر؛ فالمكان ليس متحداً، ولهذا اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في جواز المتابعة مع هذا الفاصل على قولين:
القول الأول: أن اقتداء المأموم وراء الإمام مع هذا الحائل صحيح ما دام يمكنه المتابعة بسماع صوت الإمام، أو مشاهدته، أو مشاهدة المأمومين الذين وراءه، قال بهذا مالك – وقيد النهر بكونه صغيراً -، والشافعي ورواية عن أحمد.
القول الثاني: أن هذا الحائل يمنع صحة الائتمام، وقال بهذا الأحناف، ورواية عن أحمد.
الأدلة:
استدل الفريق الأول بما يلي:-
1- أن نساء النبي ﷺ كن يصلين في بيوتهن بصلاة أهل المسجد.
2- قال البخاري والحسن: لا بأس أن تصلي وبينك وبينه نهر، وقال أبو مجلز: يأتم بالإمام وإن كان بينهما طريق، أو جدار؛ إذا سمع تكبير الإمام.
3- ولأن شرط الاقتداء الرؤية وسماع الصوت، وقد حصلا، وإن فصل طريق، أو نهر صغير، واستدل القائلون بالقول الثاني بأن الاقتداء في هذه الحالة غير منضبط، والصفوف لم تتصل؛ ولأن سماع الصوت قليل، فلا تصح الصلاة في هذه الحالة.
المناقشة:
أما من يصلي في مكان متحد لا يفصل بينه وبين الإمام حائل فصلاته جائزة, وأما إن صلى وبينه وبين الإمام حائل لكنه يسمع صوته ويراه، وقد ازدحم المكان، أو لا قدرة له على الوصول إلى المكان الذي فيه الإمام، وليس هناك فاصل كبير، فلا يُعلم دليلٌ يبطل صلاته؛ خاصة وأن شروط الاقتداء متوفرة؛ لأن هذا المكان في حكم المتحد، وإن لم يكن متحداً.
أما الاقتداء بالإمام بواسطة أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة (كالراديو مثلاً أو التلفزيون) فهو محرم لا يصح؛ لأن المكان غير متحد؛ ولأن الوقت قد لا يكون متحداً، ولاحتمال انقطاع البث؛ ولأن المتابعة بهذه الطريقة بدعة، وأما وضع أجهزة مرئية ومسموعة في أماكن متفرقة ليتابع الإمام في مكان معين؛ فهي بدعة؛ لأنها تؤدي إلى رفع المصلي بصره إلى السماء وهو ممنوع من ذلك، ولما فيها من الصور المحرمة.2
وأما متابعة الإمام في الحوانيت وأماكن متباعدة مع فواصل كثيرة كالشوارع ونحوها فلا يجوز، وينبغي تأديب من يفعل ذلك3.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذا الموضوع: “وأما صلاة المأموم خلف الإمام خارج المسجد، أو في المسجد وبينهما حائل؛ فإن كانت صفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة، وإن كان بينهما طريق، أو نهر تجري فيه السفن؛ ففيه قولان معروفان هما روايتان عن أحمد: أحدهما: المنع كقول أبي حنيفة، والثاني: الجواز كقول الشافعي.
وأما إذا كان بينهما حائل يمنع الرؤية والاستطراق ففيهما عدة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز في المسجد دون غيره، وقيل: يجوز مع الحاجة، ولا يجوز بدون الحاجة، ولا ريب أن ذلك جائز مع الحاجة مطلقاً مثل أن تكون أبواب المسجد مغلقة، أو تكون المقصورة التي فيها الإمام مغلقة أو نحو ذلك، فهنا لو كانت الرؤية واجبة لسقطت للحاجة”4. هذا ما تيسر جمعه في هذه المسألة التي نسأل الله أن ينفعنا بها جميعاً، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري برقم (687) (ج3 /ص162).
2 هذا أحد الأقوال في المسألة، ومنهم من قال: إن الصورة المتحركة في الفيديو والتلفاز وأشباهها ليست بصور محرمة لأنها نفس الشيء الموجود فكأنه يراه من نافذة أو مرآة، وهو القول الأقوى.
3 أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية لإبراهيم بن صالح الخضيري.
4 مجموع فتاوى ابن تيمية (ج5 /ص375).