المسبوق بركعة أو أكثر في صلاة الكسوف

المسبوق بركعة أو أكثر في صلاة ال

المسبوق بركعة أو أكثر في صلاة الكسوف

الحمد لله الذي شرع الشرائع وبين الأحكام، وأوضح طرق الحلال والحرام، والصلاة والسلام على من ترك الناس على المحجة البيضاء تكشف دياجير الظلام، وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأزكى سلام، أما بعد:

فبين أيدينا مسألة من مسائل صلاة الكسوف، وهي المسبوق بركعة أو أكثر كيف يقضيها.

يقول النووي رحمه الله:

"المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدركها كلها، ويسلم مع الإمام كسائر الصلوات، وإن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة، فإذا سلم الإمام قام فصلي ركعة أخرى بركوعين وقيامين، كما يأتي بها الإمام، وهذا لا خلاف فيه.

ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فالمذهب الصحيح الذي نص عليه الشافعي في البويطي واتفق الأصحاب على تصحيحه وقطع به كثيرون منهم أو أكثرهم: أنه لا يكون مدركاً لشيء من الركعة كما لو أدرك الاعتدال في سائر الصلوات. وحكى صاحب التقريب وجماعة من الخراسانيين عنه قولا آخر أنه يكون مدركاً للقومة التي قبله، فعلى هذا إذا أدرك الركوع الثاني من الأولى قام بعد سلام الإمام وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم ولا يسجد؛ لأن إدراك الركوع إذا حصل به القيام الذي قبله كان حصول السجود الذي بعده أولى، وعلى المذهب لو أدركه في القيام الثاني لا يكون مدركاً لشيء من الركعة أيضاً. قال الشافعي في البويطي: وإذا أدرك المسبوق بعض صلاة الإمام وسلم الإمام قام وصلى بقيتها سواء تجلى الكسوف أم دام، قال: فإن لم يكن انجلت طولها كما طولها الإمام وإن كانت انجلت خففها عن صلاة الإمام".1

وقال في مغني المحتاج:

"والمعتبر في صلاة الكسوف إدراك الركوع الأول دون الثاني، فلو أدركه فيما بعد الركوع كاعتدال أو فيه ولم يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع أو اطمأن والإمام محدث أو في ركعة قام إليها سهواً، أو في ركوع زائد كأن نسي تسبيح الركوع، واعتدل ثم عاد إليه ظاناً جوازه أو أدركه في الركوع الثاني من الكسوف لم تحسب له تلك الركعة".2

وقال ابن قدامة:

"إذا أدرك المأمومُ الإمامَ في الركوع الثاني احتمل أن تفوته الركعة، قاله القاضي؛ لأنه فاته من الركعة ركوع أشبه ما لو فاته الركوع من غير هذه الصلاة، وأحتمل أن تصح له الركعة لأنه يجوز أن يصلي هذه الصلاة بركوع واحد فاجتزئ به في حق المسبوق، وهذا الخلاف على الرواية التي تقول يركع ركوعين.

فأما على الرواية التي يركع أكثر من ركوعين فإنه يكون مدركاً للركعة إذا فاته ركوع واحد؛ لإدراكه معظم الركعة. حكاه ابن عقيل"3

وقد لخص وهبة الزحيلي أقوال العلماء في هذه المسألة بقوله:

"قال المالكية: تدرك الركعة من ركعتي الكسوف مع الإمام بالركوع الثاني، فيكون هو الفرض، وأما الأول فهو سنة، والراجح أن الفاتحة فرض مطلقاً.

وقال الشافعية: من أدرك الإمام في ركوع أول، أدرك الركعة، كما في سائر الصلوات، أما من أدركه في ركوع ثان أو قيام ثان، فلا يدرك الركعة في الأظهر؛ لأن الأصل هو الركوع الأول وقيامه، والركوع الثاني وقيامه في حكم التابع.

وهذا هو الراجح لدي، لأنه المتبادر للذهن، والثاني استثناء.

وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: إذا أدرك المأموم الإمام في الركوع الثاني، احتمل أن تفوته الركعة؛ لأنه قد فاته من الركعة ركوع، كما لو فاته الركوع من غير هذه الصلاة. ويحتمل أن صلاته تصح؛ لأنه يجوز أن يصلي هذه الصلاة بركوع واحد، فاجتزئ به في حق المسبوق".4 والله أعلم.

هذه أقوال العلماء في حكم المسبوق بركعة أو أكثر في صلاة الكسوف، نسأل الله أن ينفعنا بها جميعاً,وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 المجموع، للنووي (ج 5 / ص 61).

2 مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (ج 3 / ص 334).

3 الشرح الكبير، لابن قدامة (ج 2 / ص 281).

4 الفقه الإسلامي وأدلته (ج 2 / ص 558).