البصاق أثناء الصلاة

البصاق أثناء الصلاة

 

الحمد لله الواحد الأحد، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، أحمد سبحانه وأشكره، ومن مساوئ عملي أستغفره، وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الإنسان عندما يقف بين يدي الله في الصلاة متوجهاً إلى القبلة إنما يقف مخاطباً ربه، مستشعراً عظمة ذلك الموقف، فينبغي أن يكون على أحسن حال وأفضل هيئة، وأتم أدب، وأن يبتعد عن كل ما يؤدي إلى الإخلال بذلك الموقف الجليل من أعمال تنافي روح الصلاة ولبها والغاية منها.. ومن الأمور التي تتنافى مع الصلاة عند الوقوف بين يدي الله: البصاق وقت الصلاة، فما هو الحكم في ذلك؟

هذه المسألة لها حالتان:

الحال الأولى: إذا كان يصلي مع جماعة؛ فإن اعترضه البصاق واضطره فإنه يبصق في منديله، أو طرف عمامته، أو ردائه، ويحكه ببعضه حتى يذهب أثره؛ لما جاء في مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس، فقال: (ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟، فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا)، ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض..

الحال الثانية: إذا كان يصلي منفرداً، فله أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يكن هناك فرش يوسخه؛ كأن كان يصلي على تراب أو برحة، أو في مزرعة ونحو ذلك، فله أن يبصق تحت قدمه أو عن يساره، وليس إلى اتجاه القبلة؛ لما جاء في البخاري من حديث أنس-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة فحكها بيده، ورئي منه كراهة أو رئي كراهيته لذلك وشدته عليه، وقال: (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه -أو ربه بينه وبين قبلته- فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه) ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال (أو يفعل هكذا)..

وهذا ما يشبه الآن استخدام بعض الناس للمناديل حيث تكون سهلة الاستخدام.

والدليل على منع المصلي من البصاق أمامه ما جاء في البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البصاق تجاه القبلة، وقال: (إن الله قِبَل وجه المصلي).

بل جاء في سنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه عزل إماماً لأجل بصاقه في القبلة وقال لأهل المسجد: (لا تصلوا خلفه) فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أنت نهيتهم أن يصلوا خلفي؟ قال: (نعم! إنك قد آذيت الله ورسوله)1. وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه)2.

وأما الدليل على المنع من البصاق عن اليمين فحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي أخرجه البخاري في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البصاق عن اليمين، وقال: (إن عن يمينه ملكاً)..

وقد يورد البعض على حديث أبي هريرة السابق إشكالاً وذلك أنه قال فيه: (إن عن يمينه ملكاً) ومن المعلوم أن على الشمال أيضاً ملكاً، فلماذا نهي عن البصاق في جهة اليمين وأبيح في جهة الشمال؟

فأجاب عن ذلك العلماء: "باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفاً له وتكريماً.. وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية، فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه بن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفاً في هذا الحديث قال: (ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات)، وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث "فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره". فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين"3.

ومن هذا السر العجيب أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصابه وسواس من الشيطان أن يتفل عن يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله من الشيطان. فكأن الأمر بالتفل عن اليسار لوجود الشيطان المسمى "خنزب" عن يسار المصلي، فحينئذ لا يمنع من التفل أو البصق عن اليسار، كما سبق بيانه، وبشرط ألا يكون هناك شيء يوسخه المصلي كالفراش أو البساط أو ما يحترم من الملبوسات وغيرها.. وهذا إنما كان في الزمن الأول حيث كان الناس يصلون على التراب والحصباء، فإذا تكرر هذا في زمن من الأزمان بأن صلى الناس على تراب أو نحوه في أرض أو مزرعة أو صحراء فإن الحكم يتناول ذلك.

وفي زمننا هذا انتشرت وسائل النظافة في كل مكان، ومن ذلك المناديل الغليظة والرقيقة التي يستخدمها الإنسان في إزالة العرق وغيره من جسمه، فلله الحمد والمنة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..


 


1 رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

2 رواه البزار وابن خزيمة في صحيحه وهذا لفظه وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: "صحيح" ؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(285).

3 فتح الباري(1/513).