الصلاة في الحذاء

 

الصلاة بالحذاء

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن كثيرًا من السنن قد جهلها كثير من الناس ثم هجروها، ثم أصبحوا ينقمون على من عمل بها ويريد إحياءها، ويرمونه بالضلال البعيد.

ومن هذه السنن الصلاة في النعال، فقد تواتر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في نعليه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (21) سورة الأحزاب.

وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة في النعال، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر.

والأدلة على ذلك ما يلي:

عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن مالك: أكان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يصلّي في نعليه؟ قال: نعم.1

وعن يزيد بن عبدالله بن الشّخّير عن أبيه قال: صلّيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأيته تنخّع فدلكها بنعله2.

الحديث الرابع:

وعن ابن أبي أوس قال: كان جدّي أوس أحيانًا يصلّي فيشير إليّ وهو في الصّلاة فأعطيه نعليه ويقول: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي في نعليه.3

 

وعن عبدالملك بن عمير عن رجل من بني الحارث بن كعب قال: كنت جالسًا عند أبي هريرة، فأتاه رجل فسأله فقال: يا أبا هريرة أنت نهيت النّاس أن يصوموا يوم الجمعة؟ قال: لا، لعمر الله، غير أنّي وربّ هذه الحرمة لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يصومنّ أحدكم يوم الجمعة إلا في أيّام يصومه فيها) فجاء آخر فقال: يا أبا هريرة أنت نهيت النّاس أن يصلّوا في نعالهم؟ قال: لا لعمر الله، غير أنّي وربّ هذه الحرمة لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي إلى هذا المقام وإنّ عليه نعليه، ثمّ انصرف وهما عليه -صلى الله عليه وسلم-.4

 

وعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في النّعلين والخفّين.5

وغيرها من الأحاديث التي تدل على أن الصلاة بالنعلين من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكر أهل الحديث أن أحاديث الصلاة بالنعلين قد بلغت مبلغ التواتر.

ويكون ذلك فيما لو كان الإنسان يصلي في أرض ليس فيها فرش مثلما عليه المساجد في هذا الزمان، فإن الفرش النظيفة تمنع من الصلاة بالنعال؛ ويمكن للمسلم أن يطبق السنة إذا كان خارج المساجد في أرض أو صحراء أو سطح أو مساجد غير مفروشة بفرش يكون النعل سبباً في توسيخها وتقذيرها.

 

فالظروف التي كانت في عصر النبوة غير ما عليه الناس اليوم، فمن المعلوم أن المساجد كانت مفروشة حصى وتراب، ولم يكن يعرف الناس فرشها بالفرش المعروفة اليوم. ومن الخطأ تعميم هذه السنة على كل المساجد المفروشة وغيرها، لأن ذلك سيؤدي إلى توسيخ المساجد، والله تعالى ورسوله قد حثا المسلم على النظافة في شأنه كله، وأعظم ذلك المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

فالخلاصة أن المسلم بإمكانه تطبيق هذه السنة في أماكن كثيرة لا يكون فيها الحذاء سبباً في التوسيخ.. إلا إذا كان المسجد مفروشاً من بلاط أو مادة لا تتسخ من الحذاء فهذا ممكن.

 

وعلى أية حال فهي سنة من السنن إذا قدر الإنسان على تطبيقها فله أجر، وإن لم يقدر فلا داعي للخلافات والتشدد في تطبيق السنن التي خير الله فيها الإنسان بين فعلها وتركها وحث على فعلها.

ولتكن همة المسلم لم الشمل وتجميع الناس على الخير، لأن كثيراً من الناس ينفرون من الصلاة في النعال للجهل بذلك، وإذا وفق المسلم إلى تعليم الناس السنة هذه وغيرها فله أجر عند الله.

والله الموفق لما يحب ويرضى. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 رواه البخاري ومسلم.

2 رواه مسلم.

3 رواه ابن ماجه، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ص(125): هذا إسناد صحيح.

4 رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: "صحيح لغيره رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل الحارثي". قال الشيخ مقبل الوادعي: "وثقه ابن معين وابن حبان كما في "تعجيل المنفعة".

5 رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.