وقوف المأموم يسار الإمام

وقوف المأموم يسار الإمام

وقوف المأموم يسار الإمام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

ففي هذا الدرس المبارك -والذي هدفه إلقاء الأضواء على المسائل المتعلقة بالإمام والمأموم- نتناول موضوع "وقوف المأموم يسار الإمام في الصلاة".

فنقول:

شرع الله صلاة الجماعة وشرع لأجل ذلك أحكاماً، ومن تلك الأحكام أن المأموم يقف عن يمين الإمام في الصلاة في حالات منها:

أن يكون المأموم واحداً.

أن تزدحم الصفوف ويوجد مجال بجوار الإمام.

لكن ما الحكم فيما لو صلى الشخص عن يسار الإمام، هل تبطل صلاته أم لا؟

اختلف أهل الفقه في هذه المسألة على قولين:

القول الأول:

 أن المأموم إذا كان وحده فصلى عن يسار الإمام لا تصح صلاته، وهو قول الإمام أحمد وعليه جماهير أصحابه، واستدلوا على قولهم هذا بحديثي ابن عباس وجابر بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدارهما إلى يمينه، فدل على أن اليسار غير موقف للمأموم الواحد، فإذا وقف فيه بطلت صلاته.

قال ابن قدامة في المغني: "ومن صلى خلف الصف وحده، أو قام بجنب الإمام عن يساره، أعاد الصلاة".

قال: "وهذا قول النخعي، والحكم، والحسن بن صالح، وإسحاق، وابن المنذر".1

هذا في حالة إذا لم يكن عن يمينه أحد، أما إن كان عن يمينه أحد فيجوز ذلك وإن كان خلاف السنة.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وأما إذا وقف عن يسار الإمام، فإن كان عن يمين الإمام أحد، صحت صلاته؛ لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود، فلما فرغوا قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل.

ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق النساء والعراة، وإن لم يكن عن يمينه أحد فصلاة من وقف عن يساره فاسدة، سواء كان واحداً أو جماعة.

وأكثر أهل العلم يرون للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام، وأنه إن وقف عن يساره خالف السنة.

وحكي عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا لم يكن معه إلا مأموم واحد جعله عن يساره".2

القول الثاني:

أن صلاته صحيحة مع الكراهة، وهو قول الأحناف والمالكية والإمام الشافعي، وأصحابه وهو رواية عن أحمد اختارها أبو محمد التميمي، وقال ابن مفلح الحنبلي في كتابه الفروع: "وهو أظهر".

 وقال المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف: "وهذا القول هو الصواب".3

واختارها صاحب الشرح الكبير وقال: هي القياس، واختارها عبد الرحمن السعدي، في "المختارات الجلية".

قال ابن قدامة: "وقال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: إن وقف عن يسار الإمام صحت صلاته؛ لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أداره عن يمينه، ولم تبطل تحريمته4، ولو لم يكن موقفاً لاستأنف التحريمة، كأمام الإمام؛ ولأنه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر، فكان موقفاً، وإن لم يكن آخر كاليمين؛ ولأنه أحد جانبي الإمام، فأشبه اليمين."5

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية عن وقوف المأموم من الإمام فأجابت:

إذا كان المأموم واحداً فإنه يقف عن يمين الإمام؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بت عند خالتي ميمونة فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه" متفق على صحته.

وهذا إذا كانت يمين الإمام خالية كما في حديث ابن عباس، أما إذا كان قد صف عن يمينه شخص فلا بأس أن يصف الثاني عن يسار الإمام وصلاة الجميع صحيحة، لكن السنة أن يصفا خلفه إذا تيسر ذلك؛ لأن "النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر جابراً وجباراً لما صفا عن يمينه وشماله أن يصليا خلفه".6،7

فاتضح مما سبق أن في المسألة قولين، وأن الراجح منهما هو القول الثاني لعدم الدليل على البطلان، وأن من صلى عن يسار الإمام أخره الإمام وجعله عن يمينه إذا كان وحده، فإن كان معه آخر فإنه لا بأس أن يصلي عن يساره والآخر عن يمينه، والأصل أن صلاة الاثنين فما فوق تكون خلف الإمام.. والله أعلم.

نسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعيننا على العمل بما نقول، والحمد لله رب العالمين.


 


1 المغني – لابن قدامة المقدسي (3/455).

2 المغني – لابن قدامة المقدسي  (3/456).

3 الإنصاف، علاء الدين المرداوي (1/3).

4 أي تكبيرة الإحرام.

5 المرجع السابق.

6  أخرجه مسلم في صحيحه (3010).

7 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- (9/489).