الصلاة خلف المذياع والتلفاز

الصلاة خلف المذياع أو التلفاز

 

الصلاة خلف المذياع أو التلفاز

 

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

مسألة حكم الصلاة خلف المذياع أو التلفاز من المسائل الحادثة في هذا العصر، ومعلوم أن السرعة التي حققتها هذه الوسائل في نقل الكلام والصور سرعة مذهلة خلال ثوان معدودة، فأنت ترى أو تسمع إمام الحرم المكي أو المدني أو أي إمام مسجد في العالم وهو يصلي وتنقل صلاته عبر الهواء مباشرة، وكأنك في البلد نفسه!. ولكن مع هذه المشاهدة القريبة ومع سماع الصوت القريب، فهل يجوز لإنسان أن يصلي خلف المذياع أو التلفاز وهو في بيته أو سوقه أو في أي مكان؟!

 

معلوم أن نصوص الكتاب والسنة قد دلت على وجوب أداء الصلاة جماعة كما في قوله -تعالى-: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ..) (النساء:102)، فإذا كان الله -تعالى- يأمر بالقيام إلى صلاة الخوف جماعة مع ما يكون فيه المقاتلون من خوف المباغتة، والاستعداد لعدوهم، فإن ذلك يدل على وجوب الجماعة.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) رواه البخاري ومسلم.

وقد أتى عبد الله ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) فقال: نعم، قال: (فأجب).1

 

فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يرخص لهذا الرجل الأعمى أن يصلي في بيته وهو يسمع النداء، فإن ذلك يدل على وجوب أدائها جماعة في المسجد.

ومع هذا الإيجاب فقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيان فضل المشي إلى المساجد والإتيان لإقامة الصلاة فيها، فقال: (من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطوتاه أحدهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) رواه مسلم.

فهذه بعض الأدلة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة وفضلها، ومن المعلوم أن الصلاة خلف المذياع أو التلفاز لا تتفق مع ما سبق لأن من وجبت عليه يؤديها خارج المسجد، وفيه استهانة بهذه الشعيرة العظيمة، وفتور عن امتثال أوامر الشريعة، وصدود وعزوف عما يضاعف به الحسنات، ويرفع به الدرجات، وتغفر به السيئات، وما كان كذلك فلا يجوز فعله، فمن صلى في بيته مقتد بالإمام عن طريق المذياع والتلفاز فصلاته غير صحيحة. وزيادة على ذلك: أن هذا أمر محدث، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.2

 

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بعدم صحة صلاة من صلى خلف المذياع أو التلفاز..

وهذا نص السؤال الموجه إلى اللجنة الدائمة:

ماحكم الصلاة مع الراديو أو آلة من الآلات المتصلة بالإذاعة التي يسمعونها من الراديو، وهم في أبعد مكان؟

فكان جواب اللجنة هو: إن نصوص الكتاب والسنة قد دلت على وجوب أداء الصلوات الخمس في جماعة… ثم شرعت بذكر الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد.. إلى أن قالت الفتوى: … إلى غير ذلك مما في معنى هذه الأحاديث، فإنها تدل على أنه ليس المقصود الأمر بمطلق أداء الصلاة جماعة فقط، بل الأمر بأدائها جماعة في المسجد إقامة لهذه الشعيرة في بيوت الله، وتنزهاً عن صفات المنافقين في التخلف عنها، ورجاء المثوبة والأجر، والمغفرة من الذنوب، ورفع الدرجات بما يمشيه إلى بيت الله -تعالى- من الخطوات، وتعرضاً لدعوات الملائكة له بالرحمة والمغفرة مادام في مصلاه لا يمنعه من انصرافه منها إلا انتظاره للصلاة. ومن صلى في بيته أو مزرعته أو متجره جماعة مع إمام المسجد على صوت المذياع -مثلاً- وتخلف عن شهود الجماعة في بيت الله دل ذلك على فتوره عن امتثاله أوامر الشريعة، وصدوده وعزوف نفسه عما يضاعف له به الحسنات، ويرفعه الله به إلى أعلى الدرجات، ويغفر له به السيئات، وخالف الأوامر الدالة على وجوب أدائها في المساجد، واستحق الوعيد الذي تُوعِّد به المتخلفون عن شهود الجماعة في المساجد.

 

ثم إنه قد تقع صلاته على أحوال لا تصح معها صلاته، عند جماعة من الفقهاء، مثل كونه منفرداً خلف الصف مع إمكان دخوله في صف لو كان بالمسجد، وكونه أَمَام الإمام، وقد يعرض مالا يمكنه معه الاقتداء بالإمام كخلل في جهاز الاستقبال أو الإرسال، أو انقطع التيار الكهربائي، وهو في أمن من هذا؛ لو صلى في مكان يرى فيه الإمام والمأمومين.                                                                       بهذا نرى أنه لا يجوز أن يصلي في بيته منفرداً أو في جماعة مستقلة عن جماعة المسجد أو مقتدٍ بإمام المسجد عن طريق الإذاعة.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).3

 

وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- السؤال التالي: بعض الناس المجاورين للحرم يصلون بمتابعة المذياع أو عن طريق سماع الصوت مباشرة، فيصلون في محلاتهم، أو في الطرق، وعلى الأرصفة، فما حكم صلاتهم؟

فأجاب بقوله: صلاتهم لا تصح، والواجب عليهم أن يصلوا في المسجد فإن صلوا في أماكنهم بناء على سماع المذياع، أو على صوت مكبر الصوت (الميكروفون) فإن صلاتهم لا تصح؛ لأن من المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس في مكان واحد؛ ليعرف بعضهم بعضاً، فيتآلفون ويتعلم بعضهم من بعض).4

هذا والحمد لله رب العالين.

 


 


1– رواه مسلم، ولم يذكر عبد الله ابن أم مكتوم، بل ذكر: جاء رجل.. وصرح أبو داود والترمذي بذكر اسم هذا الرجل وهو ابن أم مكتوم -رضي الله عنه-.

2– أحكام الإمامة والائتمام، للمنيف ص389. بتصرف.

3– الفتوى رقم (1759).

4– مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين.