صلاة الجماعة في السفينة

صلاة الجماعة في السفينة

 

صلاة الجماعة في السفينة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة الجماعة ما لم يمنعه من ذلك مانع؛ لأن الله  أمرنا بأداء صلاة الجماعة حتى في أوقات الحروب والقتال، فيكون أداؤها في حال الأمن أولى، ومن الأحوال التي يتقلب فيها العبد سفره وركوبه البحار لطلب الرزق أو الانتقال من بلد إلى آخر لأي غرض، وبطبيعة الحال أن أوقات الصلوات ستمر به وهو على حاله تلك، ومن المعلوم أن الصلاة لا تسقط على أحد حتى على المريض المقعد، ومن كان على ظهر السفينة وجبت عليه الصلاة قائماً إلا أن يخاف السقوط والغرق؛ كما جاء في الحديث عن ميمون بن مهران عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (سئل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كيف أصلي في السفينة؟ قال: (صل فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق).1

وإن استطاع أن يصليها جماعة فعلى قول من يقول بوجوبها أنها تجب عليه، وكان أعظم للأجر، لما ثبت عن عبد الله بن أبي عتبة أنه قال: (صحبت جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة في سفينة فصلوا قياماً في جماعة أمهم بعضهم، وهم يقدرون على الجُدِّ).2 والمقصود بالجُد: شاطئ البحر.

يقول ابن تيمية في هذه المسألة:

فإن أمكنهم أن يصلوا قياماً فرادى واحداً بعد واحد ولم يمكنهم أن يصلوا جميعاً إلا بجلوس بعضهم فقال جماعة من أصحابنا: يصلون وحداناً مع اتساع الوقت، ولا يسقط القيام هنا للجماعة، بخلاف المريض الذي لا يمكنه القيام في الجماعة، ويمكنه في الانفراد فانه يصلي في الجماعة إن شاء؛ لأن حكم العجز لا يثبت لغير معين؛ ولهذا قلنا في العراة إنهم يصلون في الثوب واحداً بعد واحد، وعلى هذا فإذا خافوا خروج الوقت بالصلاة قياماً صلى بعضهم قاعداً، كما في العراة. وقال ابن أبي موسى: لم يختلف قوله أنه إن قدر جميعهم على القيام جاز أن يصلوا جماعة في السفينة، فان عجزوا عن القيام فهل يصلون جماعة أم لا؟ على روايتين، أجاز ذلك في إحداهما، ومنع منه في الأخرى، و اختياري أن ذلك جائز.

و قال غيره: إن أمكن أن يقوم بعضهم دون بعض صلى من أمكنه القيام، ثم قعدوا أو صلى الآخرون، وإن ضاق بهم الوقت صلى كل واحد بحسب إمكانه، وإن عجزوا عن القيام فهل يصلون جماعة؟ على روايتين:

وظاهر ما اختاره ابن أبي موسى من الروايتين هو قياس المذهب، وهو أن يصلوا جماعة مع قعودهم، أو قعود بعضهم، ثم إن كان موضع القيام واحداً قام فيه الإمام، وإن كان أكثر من واحد صلوا على المقاعد التي كانوا عليها قبل الصلاة؛ لأن من أصلنا جواز القعود خلف الإمام إذا صلى قاعداً؛ لأن فضل الجماعة أسقط القيام، وكذلك المريض له أن يصلي جماعة مع قعوده، وان أمكنه الصلاة وحده قائماً، ولأن الجماعة مع الخوف فيها مما يفسد الصلاة في الجملة أعظم من ترك القيام، ثم احتمل ذلك لأجل الجماعة، ومن تأمل الشريعة علم أن الشارع يحافظ على صلاة الجماعة كيفما أمكن، ولا يبالي ما فات في ضمن الجماعة؛ ولأن من أصلنا أن الجماعة واجبة والقيام واجب أيضاً، لكن القيام ركن خفيف يسقط في النوافل مطلقاً، ويسقط في الفرائض في مواضع، وأما الجماعة فلم نجد الشارع أسقطها إذا أمكنت من غير ضرر قط).3

وخلاصة القول أن صلاة الجماعة تجب على من كان في السفينة إذا قدروا على ذلك وكان المكان يتسع لأكثر من واحد. والله أعلم.

 


 


1– رواه الدارقطني، وأبو عبد الله الحاكم على شرط الصحيحين، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3777).

2– رواه البيهقي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني وسعيد بن منصور في سننه، وصححه الألباني في تمام المنة (283).

3– شرح العمدة (4/514). ط: مكتبة العبيكان –الرياض. 1413هـ.