المسافر إذا أدرك المقيم

 

 

المسافر إذا أدرك الإمام المقيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

مسألتنا في هذا اللقاء هي: لو أدرك المسافر إماماً مقيماً وصلّى معه الصلاة الرباعية إما من أول الصلاة أو أدرك معه ركعة فأكثر ماذا يفعل: هل يصلي ركعتين فقط لكونه مسافراً، أو يصلي بصلاة إمامه أربعاً؟!

اختلف العلماء..لكنّ جمهور العلماء يقولون: إن المسافر إذا صلّى بعد إمام مقيم فإنه يجب أن يتابعه ويصلي معه أربعاً للأدلة الآتية:

1. لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي  قال: (إنماجعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا…) الحديث.

2. ولعموم قوله  : (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة. فيشمل كل ما أدرك الإنسان وكل ما فاته.

3. ولما روى الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال: (كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إذا كنا معكم صلينا أربعاً، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟! قال: تلك سنة أبي القاسم  ). صححه الألباني في الإرواء (571).

4. ورد أن الصحابة (كانوا يصلون خلف عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وهم في سفر في منىً أربعاً) رواه البخاري ومسلم.. فهذه أدلة كلها تدل على أن المأموم يتبع إمامه في الإتمام.1 قال الأثرم – وهو من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل- سألت أبا عبد الله – أي أحمد بن حنبل- عن المسافر يدخل في تشهُد المقيمين؟ قال: يصلي أربعاً. وروي هذا القول عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين، وبه قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي – الأحناف-.

القول الثاني: قول إسحاق بن راهويه: أن للمسافر القصر؛ لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين، فلم تزد بالائتمام كالفجر. ولطاووس والشعبي وتميم بن حذلم قول قريب من هذا القول، حيث يقولون: لو أدرك المسافر من صلاة المقيم ركعتين يجزيان.

القول الثالث: قول الحسن البصري والنخعي والزهري وقتادة ومالك: إن أدرك ركعة أتمّ، وإن أدرك أقل من ركعة قصر، واستدلوا على ذلك بقول النبي  : (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)رواه الترمذي وصححه الألباني؛ ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة، ومن أدرك أقل من ذلك لا يلزمه فرضها.2 ومعنى قولهم هذا: أن المدرك لركعة مع الإمام المقيم يلزمه إتمام الصلاة أربعاً كالإمام؛ لأن من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة، فكأنه دخل مع الإمام في وجوب الائتمام به وعدم الاختلاف، وإذا أدرك أقل من ركعة -كأن أدرك الإمام المقيم في السجود الأخيرأو التشهد الأخير- فإن له القصر؛ لأنه لم يدرك إمامة الإمام بإدراك الركعة.

ونقول: ما دام قد ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن السنة أن يصلي المسافر خلف المقيم أربعاً فإن قول الجمهور هو الأقرب إلى النص.. مع قوله  : (إنماجعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)متفق عليه، والسلام قبل سلام الإمام اختلاف عليه، وهو دخول في النهي عنه..

وأما ما استدل به الآخرون فمردود عليهم من وجوه ذكرها ابن قدامة في المغني.

مسألة: إذا أدرك  المسافر من صلاة الإمام المقيم ركعة في الصلاة الرباعية فهل يصلي تمام ركعتين لكونه مسافراً أم يتم اتباعاً لإمامه؟!

المسألة جارية على الخلاف السابق، فمن قال بوجوب الإتمام مع الإمام يقول هذا: لا بد من إتمام  الصلاة أربعاً، فلو أدرك ركعة فعليه إكمال الثلاث، ولو أدرك ركعتين أكمل ركعتين، ولو أدرك ثلاثاً أكمل ركعة، وإن أدرك التشهد أتى بأربع؛ لعموم قوله  : (وما فاتكم فأتموا).

وعلى قول من قال لوأدرك ركعتين فإنهما تجزئان عنه يقول هنا – والله أعلم- إن من أدرك ركعة أتم ركعة أخرى، فإن لم يدرك شيئاً كأن أدركه في التشهد الأخير فإنه يصلي ركعتين.

وعلى قول من قال: لو أدرك ركعة أتم الصلاة أربعاً، ومن لم يدرك إلا أقل من ركعة يصلي ركعتين فإنه يقول: لو أدرك ركعة أتم ثلاث ركعات إكمالاً للأربع كأصحاب القول الأول، وقد صرحوا بذلك، وإذا أدرك أقل من ركعة فإنه يصلي ركعتين.

والحقيقة أن قول طاووس والشعبي وتميم بن حذلم -في أن  المسافر إذا أدرك ركعتين تجزئان عنه- قول قريب إلى الصحة؛ لأنهما أدركا ركعتين فسلما مع الإمام، ولم يختلفا عليه لا في ركوعٍ ولافي سجود ولا في سلام، وقد خرج المأموم من النهي (فلاتختلفوا عليه) في بقية الصلاة..

والخلاصة: أنالمسلم يتحرى أقرب الأقوال إلى الصحة، وذلك يكون: في جانب طلاب العلم القادرين على فهم الأدلة ومعانيها، عليهم اختيار القول الذي يدل عليه الدليل الشرعي الصريح الصحيح، وعلى عوام الناس الذين ليس لديهم الفهم والتمييز اتباع قول العالم الذي تنشرح له صدورهم… والذي عليه الأدلة القوية الصريحة هو قول الجمهور الأول لعموم أحاديث وجوب موافقة الإمام وعدم الاختلاف عليه، وكذا لما ورد عن ابن عباس من التصريح في ذلك وغيرهما..

مع أن قول الشعبي وطاووس وتيم بن حذلم قريب إلى الحق- من وجهة نظري-3..

والله أعلم.

 


1– الشرح الممتع (4/520).

2– ذكر الأقوال ابن قدامة (المغني 3/143-144). ط/ هَجَر.

3– هذه وجهة نظر الكاتب، ولكن الذي يظهر أن قول الجمهور هو الصحيح الذي تدل عليه الأدلة، خاصة أنه قول ابن عباس رضي الله عنهما وفعل الصحابة مع عثمان لا يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً والله أعلم.