سهو المأموم خلف الإمام

سهو المأموم خلف الإمـام

سهو المأموم خلف الإمـام

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

مسألة:

سهو المأموم خلف الإمام مسألة هامة لأن البعض يخطئ في إصابة الحكم الشرعي فيها، وقد تكون غامضة بالنسبة لعوام الناس، وربما بعض طلاب العلم. فماذا يفعل المأموم إذا سها في الصلاة؛ هل يسجد للسهو ويخالف إمامه في عدم التسليم معه؟ أم أنه لا يسجد للسهو؛ لأنه مأمور بمتابعة إمامه؟

والجواب: لقد اتفق الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله وأتباعهم على أن المأموم إذا سها – بأن ترك واجباً ما لم يكن فرضاً أو شك في زيادة أو نقصان – فليس عليه سجود سهو وأن الإمام يتحمل عنه..

قال عبد الله الموصلي: (إذا سها الإمام فسجد سجد المأموم، وإلا فلا، تحقيقاً للموافقة ونفياً للمخالفة، (وإن سها المؤتم لا يسجدان) ولا أحدهما، لأنه لو سجد المؤتم فقد خالف إمامه، وإن سجد الإمام يؤدي إلى قلب الموضوع وهو تبعية الإمام للمأموم!.1

وقال الآبي في شرحه على مختصر خليل في بيان من ليس عليه سجود السهو ما نصه:

(وسهو) أي لا سجود له (مؤتم حال القدوة) أي الاقتداء بالإمام؛ لأنه يتحمله عنه، وأما بعد انقطاعها فعليه السجود.2

قال ابن المنذر – في الإجماع- (وأجمعوا على أن ليس على من سها خلف الإمام سجود، وانفرد مكحول3 فقال عليه، وأجمعوا على أن المأموم إذا سجد إمامه أن يسجد معه).

وقال ابن قدامة: (وليس على المأموم سجود السهو، فإن سها إمامه فعليه السجود معه) (الكافي 1/169).

أدلتهم على ذلك: الدليل الأول:

(عن معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه – قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي!؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكنى سكت، فلما صلّى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

قال صاحب كتاب عون المعبود: (( فِيهِ تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة سَوَاء كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرهَا وَسَوَاء كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاة أَوْ غَيْرهَا , فَإِنْ اِحْتَاجَ إِلَى تَنْبِيه أَوْ إِذْن لِدَاخِلٍ وَنَحْوه سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتْ اِمْرَأَة , وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف . وَقَالَ طَائِفَة مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوز الْكَلَام لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاة وَهَذَا فِي كَلَام الْعَامِد الْعَالِم أَمَّا كَلَام النَّاس فَلَا تَبْطُل صَلَاته بِالْكَلَامِ الْقَلِيل عِنْد الْجُمْهُور . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُل , وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاس فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فَمَا يُسْتَقْبَل ( إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن ) : قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوه فَإِنَّ التَّشَهُّد وَالدُّعَاء وَالتَّسْلِيم مِنْ الصَّلَاة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَار مَشْرُوع فِيهَا , فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُح فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَام النَّاس وَمُخَاطَبَاتهمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الذِّكْر وَالدُّعَاء وَأَشْبَاههمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْع . وَفِي هَذَا الْحَدِيث النَّهْي عَنْ تَشْمِيت الْعَاطِس فِي الصَّلَاة وَأَنَّهُ مِنْ كَلَام النَّاس الَّذِي يَحْرُم فِي الصَّلَاة وَتَفْسُد بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا . قَالَ الشَّافِعِيَّة إِنْ قَالَ يَرْحَمك اللَّه بِكَافِ الْخِطَاب بَطَلَتْ صَلَاته وَإِنْ قَالَ يَرْحَمهُ اللَّه أَوْ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّه فُلَانًا لَمْ تَبْطُل صَلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ . وَأَمَّا الْعَاطِس فِي الصَّلَاة فَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَحْمَد اللَّه تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَبِهِ قَالَ مَالِك وَغَيْره . وَعَنْ اِبْن عُمَر وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَد رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَر بِهِ وَالْأَوَّل أَظْهَر لِأَنَّهُ ذِكْر وَالسُّنَّة فِي الْأَذْكَار فِي الصَّلَاة الْإِسْرَار إِلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقِرَاءَة فِي بَعْضهَا وَنَحْوهَا .اِنْتَهَى

وجه الاستدلال: أن معاوية بن الحكم – رضي الله عنه- تكلم في الصلاة وهو مأموم، فلم يأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – بسجود السهو فدل على عدم مشروعيته؛ لأنه بذلك يخالف المأموم إمامه، وهو مأمور باتباعه في جميع هيئات الصلاة، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه..) الحديث متفق عليه.

الدليل الثاني: استدلوا بحديث فيه مقال عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو، وإن سها من خلف الإمام فليس عليه سهو، والإمام كافيه). رواه الدارقطني في السنن ورواه البيهقي.. وقال حديث ضعيف.

الخلاصة:

نستفيد مما سبق أنه:

1. إذا سها المأموم خلف إمامه فليس عليه سجود سهو بالإجماع، ولم يخالف إلا مكحول كما حكى ذلك ابن المنذر رحمة الله عليهم.

2. إذا سها المأموم فتكلم جاهلاً بالحكم الشرعي في الكلام وأنه يبطل الصلاة، فإنه لا يسجد للسهو وإن تكلم عمداً بطلت صلاته.

وسبب كلامنا على هذا الموضوع أمران:

1.   لأنه حكم شرعي، يجب بيانه وإيضاحه .

2. لأن بعض الناس يجهلون هذا الحكم رغم الاتفاق عليه بين العلماء، ولذلك أن  ترى بعضهم يسجد بعد سلام الإمام سجدتي السهو فإذا سألته عن سبب ذلك، قال: سهوت في الصلاة أو غفلت أو شككت فيها!! وما أشبه ذلك.. وهذا لا يصح لما سبق إيضاحه.. وعليه يجب على المبلغين والدعاة وحملة الإسلام بيان مثل هذه الأحكام ما استطاعوا؛ لأن البعد عن الدين وأحكام الشريعة قد فشا بين المسلم حتى في الأمور المتفق عليها فضلاً عما فيه الخلاف نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويبصرهم بأمور دينهم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1– الاختيار لتعليل المختار (1/73).  

2– جواهر الإكليل شرح مختصر خليل (1/65).ومعنى وسهو مؤمتم حال القدوة: اي ان سهو المؤتم في الصلاة لا سجود عليه.

3– أحد لأئمة من التابعين وهو مشهور كالجبل.