القيام مع الإمام

القيام مع الإمام في صلاة القيام

القيام مع الإمام في صلاة القيام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.. أما بعد:

أخي الحبيب: لهذا الشهر الكريم خصائص كثيرة عن غيره من الشهور، ولأيامه ذوق يختلف عن بقية أيام السنة الأخرى، وله مزايا ليست لشهر آخر من شهور السنة ففيه تغفر الذنوب، وتحط الخطايا، ولله فيه في كل ليلة عتقاء أمناء وأجراء من النار، وفيه ليلة القدر هي خيرٌ من ألف شهر..

وفيه قيام الليل، الذي هو شرف المؤمن، وسبب من أسباب محو ذنوبه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)1. وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأعمال الصالحة فيه.. وشرع في قيام هذا الشهر الكريم صلاة التراويح، وهي سنة ثابتة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفعله، ثم تركها خشية أن تفرض على الأمة، ثم لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي أحياها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فعن عائشة -رضي الله عنها-: ( أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) وذلك في رمضان)2..

وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجر القيام مع الإمام حتى ينصرف، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (صمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يَقُم بنا شيئاً حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة، فقال: (إن الرجل إذا صلّى مع الإمام حتى ينصرف حسبت له قيام ليلة) فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح – قال الراوي قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور- ثم لم يقم بنا بقية الشهر)3.

فتبين بهذا أن من قام مع الإمام في التراويح حتى ينصرف الإمام من الصلاة حسبت له قيام ليلة.. فحري بكل مسلم أن يحرص على ملازمة الإمام إلى آخر الصلاة ليحصل له ذلك الأجر؛ فإن كثيراً من الناس في منأى عن ذلك، لا يصلون السنن الرواتب والنوافل، وإذا صلوها تركوا صلاة التراويح؛ لثقلها عليهم نتيجة لامتلاء البطون والتكاسل عن طاعة الله. والله المستعان.

تنبيه: من الناس من يصلي مع الإمام بعض الصلاة ثم ينصرف، ومنهم من يصلي مع الإمام فإذا كان في آخر ركعة ترك الإمام وذهب، بحجة أنه سيصلي آخر الليل ثم يوتر، ومنهم من يقوم ليكمل الركعة الأخيرة شفعاً ليقوم آخر الليل محتجاً بحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)4 والسؤال هو هل الأفضل أن يصلي المأموم بصلاة الإمام حتى آخر ركعة، ويسلم بسلامه فيكتب له قيام ليلة.. أم أن الصور الآنفة الذكر جائزة؟

الذي قاله العلماء أن الأولى والأتم إتمام صلاة التراويح مع الإمام والسلام بسلامه، ليتحقق له الأجر الذي بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ولكن يجوز للمأموم أن يقوم بعد سلام الإمام ليكمل الركعتين، ثم يأتي بالوتر آخر الليل..

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن نحو هذا الأمر، فكان السؤال كالتالي:

بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟

فأجاب الشيخ بقوله: لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه قام معه حتى انصرف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل، فلا بأس بهذا، ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلاً).

(مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن باز)

نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام وقراءة القرآن، إنه على كل شيءٍ قدير..


1– رواه البخاري ومسلم ، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

2– رواه البخاري ومسلم.

3– رواه أهل السنن وغيرهم وحسنه النووي. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه وغيره.

4– رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-.