الأذان بواسطة آلة التسجيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه. أما بعد:
فإن الأذان من أفضل العبادات القولية، ومن شعائر الإسلام الظاهرة التي إذا تركها أهل بلد وجب قتالهم، وهو العلامة الفارقة بين دار الإسلام ودار الكفر، وقد شرع للصلوات الخمس المفروضة، المقصود الأعظم منه هو الإعلام بدخول وقت فريضة من فرائض الصلاة، وقد ذكر الفقهاء شروطاً لصحته، وصفاتاً تشترط فيمن يؤذن، فمن شروط صحته وجود النيّة، فإذا أتى المؤذن بألفاظ الأذان دون قصد لم يصح الأذان- على القول الراجح- فلا بدّ من أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا أذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها، ومن الصفات المشترطة في المؤذن أن يكون مسلماً عاقلاً ذكراً مميزاً، ولهذا لا يصح الأذان من الصبي غير المميز باتفاق الفقهاء(1)، ولا من السكران، والمجنون والمغمى عليه، على رأي الجمهور(2).
وقد جرت العادة أخيراً في بعض البلاد الإسلامية على إذاعة الأذان في المذياع بواسطة أسطوانة، أو شريط تسجيل تسجل عليه كلمات الأذان، من غير أن يكون هناك يؤدي الأذان في تلك اللحظة يداع فيها، وإنما هو تسجيل لصوت مؤذن ردد كلمات الأذان ثم تعاد إذاعتها بعد ذلك مرات ومرات، والمراد من ذلك لفت انتباه الناس إلى أن وقت الفريضة قد دخل.
وهذه المسألة هي ما يسمى بمسألة توحيد الأذان وما يتردد الحديث عنها في وسائل الإعلام هذه الأيام وفيها من المحاذير ما يلي:
1- الحرمان من الأجر والثواب الذي حث عليه النبي صلي الله عليه وسلم في فضل الأذان: فعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي عليه وآله وسلم يقول: ‘المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة’ رواه مسلم
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة " رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري
قال الحافظ: وهو كما قال فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاري في الصحيح3
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدي صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري وغيره، فكيف يحرم كل هؤلاء المؤذنين من هذا الأجر العظيم؟!
2- بروز بعض الإشكالات خاصة في البلدة الكبيرة المترامية الأطراف، وذلك عند حدوث بعض النوازل كالمطر والريح، ونحوها، في بعض ضواحي البلدة فلن يتسنى للمؤذن الواحد أن يقول في أذانه لأهل هذه المنطقة " صلوا في رحالكم " ويسكت عنها في منطقة أخرى والأذان واحد.!!!! وبالتالي تموت كثير من السنن
ولهذا فقد صدرت فتاوى وقرارات من الهيئات والمجمّعات الإسلامية، تتضمّن عدم الأخذ بذلك، وأنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأن على المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعيِّنوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة(4).
فمن تلك القرارات، قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العلام الإسلامي بشأن حكم الأذان للصلوات في المساجد عن طريق مسجلات الصوت" الكاسيتات" ومحاذير ذلك ونصّه:
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت(12/7/1406هـ) إلى يوم السبت (19/7/1406هـ) وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى والمداولة في ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:
1- أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنصّ وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتّفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.
2- التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعدّدت المساجد في البلد الواحد.
3- في حديث مالك بن الحويرث-صلى الله عليه وسلم-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم"(5).
4- أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه، فكذلك في التسجيل المذكور.
5- أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة-رحمه الله تعالى- في المغني(1/425)، " وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة" أ.هـ
6- أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر منها ما يلي:
أ- أن يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سنناً وآداباً، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.
ب- إنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.
وبناءً على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرّر ما يلي:
أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا-صلى الله عليه وسلم- إلى الآن.
والله الموفق وصلىَّ الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"(6).
و هناك عدة فتاوى حول هذه المسألة منها:
فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم: عندما سؤال عن الأذان بواسطة التسجيل قال رداً على السائل :
"من محمد بن إبراهيم إِلى سعادة رئيس المكتب الخاص بالديوان الملكي سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإِشارة إِلى خطابكم رقم 3052-3 وتاريخ 26-12-86 هـ المرفق به رسالة بن غوله العربي، نهج العربي ابن مهيدي من جليجل بالجزائر حول استبدال الأَذان الشرعي باسطوانات مسجلة، وما جاء بخطاب المذكور من استنكار لذلك.
لقد تأَملنا ما ذكر. ووجدنا ما قاله هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه. وذلك لأَن الأَذان من أَفضل العبادات القولية ومن فروض الكفايات، ومن شعائر الإِسلام الظاهرة التي إِذا تركها أَهل بلد وجب قتالهم، وهو واجب للصلوات الخمس المكتوبة، وكان هو العلامة الفارقة بين بلاد المسلمين وبلاد الكفر، لأَن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان إِذا أَراد الإِغارة على قوم انتظر حتى تحضر الصلاة فإِن سمع الأَذان كف عنهم وإِلا أَغار عليهم.
وللأذان شروط منها "النية" ولهذا لا يصح من النائم, والسكران, والمجنون, لعدم وجود النية، والنية أَن ينوي المؤذن عند أَدائه الأَذان أَن هذا أَذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها. ومن أَين للأُسطوانات أَن تؤدي هذه المعاني السامية، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (إِذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذِّنَ لَكُمْ أَحَدُكُمْ) متفق عليه. فهل الأُسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين. والحقيقة أَننا نستنكر استبدال الأَذان بالاسطوانات. وننكر على من أَجاز مثل هذا لما تقدم، ولأَنه يفتح على الناس باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، وقد قال-صلى الله عليه وسلم-: (مَن أَحْدَثَ فِيْ أَمْرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ)) وفي رواية ((مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). والمقام يقتضي أَكثر من هذا ولكن آثرنا الاختصار. والله الموفق والهادي إِلى الصواب. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية (ص-ف-35 في 3-1-1387 هـ) فهرس المجلد الثاني (أصول الفقه – الطهارة – الصلاة)
ومنها فتوى اللجنة الدائمة:
الأذان من آلة التسجيل السؤال السادس من الفتوى رقم (4091) س: الأذان سنة للصلوات المفروضة، وما حكمه بآلة التسجيل إن كان المؤذنون لا يتقنونه؟
جـ: الأذان فرض كفاية بالإضافة إلى كونه إعلاماً بدخول وقت الصلاة ودعوة إليها، فلا يكفي عن إنشائه عند دخول وقت الصلاة إعلانه مما سجل به من قبل، وعلى المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعينوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز الفتوى رقم (10189) س: قد سمعت من بعض الناس في الدول الإسلامية أنهم يسجلون بالشريط المذياع أذان الحرمين الشريفين ويضعون المذياع أمام المكبر ويؤذن بدل المؤذن فهل تجوز الصلاة؟ مع ورود الدليل من الكتاب والسنة، ومع تعليق بسيط؟
جـ: إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
فتوى العثيمين:
سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين هل يصح الأذان بالمسجل ؟ فأجاب فضيلته بقوله : الأذان بالمسجل غير صحيح ؛ لأن الأذان عبادة ، والعبادة لابد لها من نية .
وسئل أيضاً: عن الأذان في المذياع أو التلفاز هل يُجاب ؟ فأجاب قائلاً : الأذان لا يخلو من حالين : الحال الأولى : أن يكون على الهواء أي أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن فهذا يجاب لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " . إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا : إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب . الحال الثانية : إذا كان الأذان مسجلاً وليس أذاناً على الوقت فإنه لا يجيبه لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً أي أن الرجل لم يرفعها حين أمر برفعه وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق . وإن كان لنا تحفظ على كلمة يرفع الأذان ولذا نرى أن يقال أذن فلان لا رفع الأذان .
وفي سؤال له رحمه الله في لقاء الباب المفتوح ج2/280 اللقاء 34 / سؤال رقم 986 :
نص السؤال: يا شيخ هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة البقرة لا يدخل الشيطان في بيته لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر .؟ الجواب : لا..لا… صوت الشريط ليس بشيء لا يفيد لأنه لا يقال قرأ القرآن ، يقال : استمع إلى صوت قارئ سابق . ولهذا لو سجلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في الميكرفون وتركناه يؤذن ، هل يجزئ ؟؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة خطيب مثيرة ، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام الميكرفون ، فقال المسجل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم أذن المؤن ثم قام فخطب ، هل تجزيء؟؟ لا .. تجزيء … لماذا ؟؟ لأن هذا تسجيل صوت ماضٍ كما لو أنك كتبته في ورقة ، لو كتبت ورقة أو وضعت مصحفاً في البيت …هل يجزئ عن القراءة ؟ لا.. يجزئ .
ومن المحاذير أيضاً ما قاله الأستاذ خير الدين وانلي:" وقد انتشرت هذه البدعة حديثاً؛ حباً منهم في الطرب وسماع أصوات المؤذنين المشهورين بالتنغيم والتطريب، وقد يضعون شريط أذان الفجر سهواً، فتنادي الآلة نهاراً: " الصلاة خير من النوم"، أو يستمر الشريط بعد الأذان، ويكون فيه موسيقى أو غناء!!"(7) .
نسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من الزلل والتلاعب بالدين أن سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين،،،.