صلاة المرأة جوار الرجل

صلاة  المرأة جوار الرجل

صلاة  المرأة جوار الرجل

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه والتابعين, ثم أما بعد:

إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍّ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل، فذهب الحنفية إلى أنها تبطل صلاة ثلاثة من الرجال، واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وثالث خلفها، بشروط ذكروها، وحاصلها: أن تكون المرأة مشتهاة، وهي من بلغت سبع سنين، أو كانت تصلح للجماع، على خلاف في المذهب، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود، ويشتركان في التحريمة والأداء، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة، مع تفاصيل أخر، تعرف بالرجوع إلى كتبهم1.

قال النووي -رحمه الله تعالى- مبيناً الخلاف في المسألة وملخصاً مذهب الحنفية: “إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماماً أو مأموماً، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون, وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها, فإن كانت في صلاة يشاركها فيها -ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء- فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيها, ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها; لأن بينه وبينها حاجزاً, وإن كانت في صف بين يديه (يعني: أمامه) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها, ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها; لأن دونه حاجزاً، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن, قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز, ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه, ولو كانت مائة صف استحساناً, فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام; لأنها إلى جنبه، ومذهبه: أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضاً, وتبطل صلاتها أيضاً; لأنها من جملة المأمومين.

قال: وهذا المذهب ضعيف الحجة، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له, وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان, وليس لهم ذلك.

وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم, والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والمنة, وبه التوفيق والهداية والعصمة”2.

أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما، كما في “تبيين الحقائق” (1/138).

ولا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، كما كان الحال على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: (قوموا فلأصل لكم) قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء, فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصففت واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف3.

قال الحافظ في الفتح: “وفي هذا الحديث من الفوائد: تأخير النساء عن صفوف الرجال, وقيام المرأة صفاً وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيره4, لكن إذا حصل من كونهن يحاذين الرجال، فالصلاة صحيحة والحمد لله5.

هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام:

أولاً: الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ, قَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي), قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ6.

قال عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة7.

ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا)8.

ثانياً: الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟ فأجاب: ” أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنها تصح مطلقاً, وإن قيل: إنها تكره, وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك, والقول القديم للشافعي.

والثاني: أنها لا تصح مطلقاً, كمذهب أبي حنيفة, والشافعي, وأحمد في المشهور من مذهبهما.

والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام, فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة, وهذا قول طائفة من العلماء, وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة في الجماعة, والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة, فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام, والقراءة واللباس والطهارة, وغير ذلك..”9.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟ فأجاب: “الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة “إمام” أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قدام الصحابة -رضي الله عنهم- وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم, إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة”10. وعلى هذا؛ فإنه ينبغي الاجتهاد في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى, والله أعلم11, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


 


1 ينظر: المبسوط (1/183)، بدائع الصنائع (1/239)، تبيين الحقائق (1/136- 139).

2 من مجموع الفتاوى (3/331) باختصار يسير.

3 رواه البخاري (373) ومسلم (658).

4 فتح الباري (1/490)

5 الإسلام سؤال وجواب.

6 رواه أحمد (27135) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب” (340).

7 عون المعبود (2/193).

8 رواه البخاري (858) ومسلم (442) وهذا لفظ مسلم.

9 الفتاوى الكبرى (2/331).

10 مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/44).

11  الإسلام سؤال وجواب. بتصرف.