متابعة الإمام

متابعة الإمام

متابعة الإمام معناها: الاقتداء به في أفعال الصلاة بأن يكبر بتكبيره، ويركع بركوعه، ويسجد بسجوده، دون تقدم عليه أو تأخر قال رسول الله : ((إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا … الحديث)) رواه البخاري ومسلم.

إذن فالإمام في الصلاة ما جعل كونه إماماً إلا ليأتم الناس به، فلا يحق لهم مخالفته في القيام، أو الرفع في أحوال الصلاة، وقد حذر الرسول  من مخالفة الأئمة، ومسابقتهم في الركوع أو السجود وغيرهما، فقال: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار) رواه البخاري ومسلم.

وهذا لمن تأمله كافٍ في الردع والزجر لكل من خالف إمامه في الصلاة، فعلى المسلم أن يحذر عقوبة الله العاجلة أو الآجلة من مخالفة رسول الله  لقوله – تعالى -:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النــور:63).

وقد اتفق العلماء على أن متابعة الإمام واجبة في جميع أحوال الصلاة، واتفقوا – أيضاً – على تحريم مسابقة المأموم للإمام؛ لما ورد من الوعيد الشديد لمن فعله .. ومع الاتفاق على التحريم فهل تبطل صلاة المأموم إذا سابق الإمام؟!

جماهير أهل العلم على أنها لا تبطل، لكنهم اتفقوا كذلك على أنه يأثم إذا كان يسابقه متعمداً، وقال الإمام أحمد تبطل صلاة من سبق إمامه، كما في رسالته: (ليس لمن سبق الإمام صلاة)، وأما أصحابه فيقولون: من سبق إمامه بركوع، أو سجود، فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل عمداً حتى لحقه الإمام فيه بطلت صلاته، وقد رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – إذا كان السبق عمداً؛ لأن الوعيد يقتضي النهي، والنهي يقتضي الفساد.1

وفي الحديث الآخر عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (صلّى رسول الله  في بيته وهو شاكٍ – من الشكاية وهي المرض – فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار عليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) رواه البخاري ومسلم.

ففي هذا الحديث بيان صفة اقتداء المأموم بالإمام ومتابعته له، فقد أرشد النبي  المأمومين إلى الحكمة في جعل الإمام وهي أن يقتدى به، ويتابع، فلا يُتقدم عليه بعمل من أعمال الصلاة، وإنما تراعى تنقلاته بنظام ودقة، فإذا كبر للإحرام فكبروا أنتم كذلك، وإذا ركع فاركعوا بعده، وإذا ذكركم أن الله مجيب لمن حمده بقوله: “سمع الله لمن حمده” فاحمدوه – تعالى – بقولكم: “ربنا ولك الحمد” وإذا سجد فتابعوه واسجدوا، وإذا صلى جالساً لعجزه عن القيام – فتحقيقاً للمتابعة – صلوا جلوساً ولو كنتم على القيام قادرين.2

ونخلص مما سبق بما يلي:

1. وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة، وتحريم المسابقة.

2. تحريم مخالفته وأن الصلاة تبطل بها على قول الإمام أحمد.3

3. أن الأفضل في المتابعة أن تقع أعمال المأموم بعد أعمال الإمام مباشرة، قال الفقهاء: وتكره المساواة، والموافقة في هذه الأعمال.

4. أن الإمام إذا صلى جالساً – لعجزه عن القيام – صلى خلفه المأمومون جلوساً ولو كانوا قادرين على القيام، تحقيقاً للمتابعة والاقتداء – والمسألة فيها خلاف: هل يتابعونه في الصلاة جالساً أم لا؟ فيها قولان، والقول الثالث التفصيل: وهو إذا ابتدأهم بالصلاة جالساً صلوا خلفه جلوساً، وإن ابتدأهم قائماً صلوا خلفه قياماً، حتى لو حصل له عجز أثناء الصلاة فجلس صلوا خلفه قياماً، وهو قول الإمام أحمد – رحمه الله -.

5. أن المأموم يقول: (ربنا ولك الحمد) حينما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده)، وقال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً في أن المنفرد يقول: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) وقال ابن حجر: (وأما الإمام فيسمِّع ويحمِّد يجمع بينهما، فقد ثبت في البخاري أن النبي  كان يجمع بينهما.

6. أن من الحكمة في جعل الإمام في الصلاة الاقتداء والمتابعة.

7. جواز الإشارة في الصلاة لحاجة.

8. في الحديث تأكيد على متابعة الإمام، وأنها مقدمة على غيرها من أعمال الصلاة، فقد أسقط القيام على المأمومين القادرين عليه مع أنه أحد أركان الصلاة، كل ذلك لأجل كمال الاقتداء.

9. ومنه يؤخذ تحتم طاعة القادة وولاة الأمر – في غير معاصي الله – ومراعاة النظام، وعدم المخالفة والانشقاق على الرؤساء، فما هذه الشرائع الإلهية إلا لتعويدنا على السمع والطاعة، وحسن الاتباع والائتلاف بجانب التعبد بها لله – سبحانه وتعالى -، وما أعظم الإسلام، وأسمى تشريعاته، وأجمل أهدافه!!

وفق الله المسلمين إلى التبصر بدينهم، واتباع سنة نبيهم ، وجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وأعلى كلمتهم؛ إنه ولي ذلك القادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


1– تيسير العلام,  للبسام – رحمه الله – (1/171) بتصرف.

2– المصدر السابق.

3– ولكن الجمهور على خلاف ذلك .. فليراجع فتح الباري.