من تكره إمامته

من تكره إمامته

من تكره إمامته

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يماري مسلم فيما للإمامة في الصلاة من مكانة رفيعة بين المسلمين، إذ أن الإمامة في الصلاة صورة مصغرة للإمامة الكبرى في الحياة؛ ولذلك سميت إمامة الصلاة الإمامة الصغرى.

والإمامة في الصلاة مظهر من مظاهر الانضباط والطاعة في الإسلام، فالمؤتم يأتم بإمامة الذي اختير بدقة واستحقاق.

يشير إلى ذلك قول السرخسي: "والأصل فيه أن مكان الإمامة ميراثٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه أول من تقدم للإمامة، فيختار له من يكون أشبه به خَلْقاً وخُلُقاً، ثم هو مكان استنبط منه الخلافة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت الصحابة بعد موته: أنه اختار أبا بكر لأمر دينكم، فهو المختار لأمر دنياكم. فإنما يختار لهذا المكان، من هو أعظم في الناس".1

فأحق الناس بالإمامة هو الفقيه العالم بأحكام الصلاة، وأقرؤهم لكتاب الله.

وقد أشار السرخسي إلى من هو الأحق بالإمامة بقوله: "ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة، وأفضلهم ورعاً، وأكبرهم سناً؛ لحديث أبي مسعود -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه …) الحديث.2".3

وانطلاقاً من أهمية الإمامة ومعرفة من هو الأحق بها، فقد أحببنا في هذا اللقاء أن نبين من تكره إمامته، وما هي المآخذ التي تجعل من الإمام محل كراهة:

فنقول:

تكره إمامة من توفرت فيه ما يخل بمروءته، ومن تلك:

أولاً: الفاسق: تكره إمامة الفاسق إلا إذا كان إماما لمثله باتفاق الحنفية والشافعية، أما الحنابلة فقالوا: إمامة الفاسق ولو لمثله غير صحيحة إلا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره فتجوز إمامته للضرورة، وقالت المالكية: إمامة الفاسق مكروهة ولو لمثله.4

ثانياً: المبتدع: تكره إمامة المبتدع إذا كانت بدعته غير مكفِّرة باتفاق.5 فإن كانت مكفِّرة فتحرم.

ثالثاً: من أمَّ قوماً وهم له كارهون: إذ لا بد أن يكون القوم وراءه راضين عنه، فقد اتفق الأئمة الأربعـة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوماً وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كأن يكون ظالماً، أو يعاشر أهل الفسوق، أو ينقص هيئات الصلاة ولا يكملها..، أما إذا كرهوه لغير ذلك، وهو مع ذلك ذو دين وسنة فلا تكره إمامته.

واشترط الشافعية أن يكون أغلبهم يكرهونه أما إذا كرهه نصفهم فأقل فإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة إمامته.6

واستدلوا على ذلك بأدلة منها: ما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان).7

رابعاً: صاحب السلس والقروح للسالم من ذلك، ومثله من تلبس بنجاسة معفو عنها.

خامساً: تكره إمامة ولد الزنا: وهو مجهول الأب، لا سيما إن كان راتباً.8

سادساً: وتكره إمامة من يكثر اللحن، ولا يستطيع نطق بعض الحروف، ومن عنده فأفأة ونحوها.

هذه بعض صفات من تكره إمامتهم.

نسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.


 


1 المبسوط للسرخسي: (1/40).

2 رواه مسلم (673).

3 المبسوط، للسرخسي: (1/40-41).

4 الفقه على المذاهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري-: (1/678).

5 المرجع السابق.

6 المجموع: للنووي: (4/275).

7 رواه ابن ماجه (971) وحسنه الألباني في المشكاة رقم: (1128).

8 المرجع السابق: (1/330).