فضل الإمامة ومنزلة الإمام

فضل الإمامة ومنزلة الإمام

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين، سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن إمامة المصلين من المهمات التي اعتنى بها الإسلام، ونبه الإمام إلى تلك المسؤولية العظيمة التي تتعلق بصحة صلاة الناس، أو بطلانها، ولهذا جعل النبي  الإمام ضامناً يضمن صحة صلاة المأمومين من حيث القيام بشروطها وأركانها كما أمر الله ورسوله، ولا ينتقص من ذلك شيئاً.. وفي هذا المقال المختصر سنعرض إلى شيء من فضل الإمامة ومنزلة الإمام، وقبل ذلك نعرج على تعريف الإمامة.

الإمامة في اللغة: هي مصدر الفعل “أمَّ”، والإمام هو ما يؤتم به، ومنه قيل للطريق إمام، وللبناء إمام؛ لأنه يؤتم بذلك، أي يهتدي به السالك، والنبي  إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام كل شيء قيمه والمصلح له.

واصطلاحاً: هي من يصح الاقتداء به في الصلاة، أو هي ربط صلاة المؤتم بالإمام، وتطلق على الإمامة الكبرى وهي الخلافة أو الملك، أو رئاسة الدولة، وتطلق على العالم المقتدي به، فيقال إمام المحدثين، وإمام الفقهاء, ولما كان الإمام هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به، ويهتدون بهديه؛ أطلق عليه هذا اللفظ1. وإننا إذا ما نظرنا إلى موقف النبي الكريم ، وتمعنَّا في سيرته  وصحبه الكرام، ودوره كإمام مسجد؛ نجد أن القيام بمهام الإمامة ليس عبارة عن طقوس وحركات يؤديها الإمام، ويكررها المأمومون خلفه، بل يتعين عليه أن يراعي من هم حوله فهذا من مسئولياته، وكما قال الرسول : كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ2 فالإمامة تعليم وتذكير، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ولا يخفى ما لهذه الأمور من منزلة عظيمة، فبالعلم يزول الجهل, وبالتذكير تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسود طاعة الله في المجتمع، وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة، وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير، ويقل الشر. ومن أجل هذا وغيره تعد الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة؛ يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق، وصفوة الخلق، حماة الدين، وحراس العقيدة الصحيحة، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق، وتقوم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتحيا السنن، وتندرس البدع، ويسعد الناس بالأئمة الأكْفَاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة .

ولما كان أمر الإمامة عظيماً فقد دعا النبي  للأئمة بالرشد فقال – عليه الصلاة والسلام -: الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ3، ومن المعلوم أن الإمامة رمز الاجتماع والائتلاف، لذا فقد حث النبي  على اتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة نفر فقط حيث قال – عليه الصلاة والسلام -: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ4، فإذا كانوا مأمورين شرعاً باتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة فقط فكيف إذا كانوا جمعاً كبيراً؟

لا شك أن الأمر أعظم، وهذا فيه من المصالح العظيمة، والمحامد الجليلة؛ ما لا يخفى على أحد؛ فالناس يجتمعون على من يعلمهم الخير، ويفقههم في الدين، ويرغبهم تارة ويرهبهم أخرى، وينقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى التذكر والعبرة.

والناس محتاجون إلى من يقوم بهذه الرسالة خير قيام؛ لأن أمراض المجتمع الحقيقية تكمن في: الجهل والغفلة، والميل إلى الشهوات يقول تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (سورة الروم:41).

ولا يخفى أن هذه العلل إذا كثرت كثر الخبث، ونزل البلاء, والله يقول: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (سورة العنكبوت:40).

لهذا فإن منزلة الإمام تعظم لكونه يتولى معالجة هذه العلل، فداء الجهل لا دواء له إلا بالعلم، وحاجة الناس إلى العلم الذي يرفع عنهم حجاب الجهل، ويزيل غشاوته؛ أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وأعظم من حاجة الأرض المجدبة إلى الغيث العميم. والأئمة مبلغون لدين الله، داعون إلى كل خير وفضيلة، والدعاة إلى الله هم خير الناس، فهم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، القائمون على حدود الله، الذابون عن دين الله، الصالحون المصلحون الذين أثنى الله عليهم، وامتدحهم في مواضع عديدة قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (سورة فصلت:33)، وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي (سورة يوسف:108).

يقول ابن القيم – رحمه الله -: أمر الله تعالى نبيه  بأن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسول الله  وهو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيل ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم … وتبليغ سننه إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في أممهم5.

والمجتمعات تتعرض غالباً لعواصف من الفتن والمغريات تجر بعض الناس جراً إلى الفساد والإفساد، وتصرفهم عن طاعة رب العباد، وهنا يأتي دور الإمام المذكر المحذر المشفق على إخوانه، فتحيا به القلوب، ويفتح الله على يديه مغاليقها، فيكون له بذلك من الأجر العظيم، والثواب الجزيل ما بيَّنه النبي بقوله: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا 6 قال العلماء إن المتسبب إلى الهدى بدعوته له من الأجر مثل أجر من اهتدى به، وكذلك المتسبب إلى الضلالة عليه من الوزر مثل وزر من ضل به؛ لأن الأول بذل وسعه وقدرته في هداية الناس، والثاني بذل قدرته في ضلالتهم، فنزل كل واحد منهما منزلة الفاعل التام7.

وجاء في وصية النبي  لعلي – رضي الله عنه -: لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ8، وحمر النعم هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب, يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، فهي كناية عن خير الدنيا كله9.

إنه فضل عظيم، وحظ كبير؛ أن يهتدي رجل واحد فقط، فما الظن بمن يهتدي كل يوم به طوائف من الناس؟!

ويقول  : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ والأرضين، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ10.

أخي الإمام:

لو لم يكن من فضل الإمامة، ومنزلة الإمام؛ إلا ما ذكرنا لكفى؛ فكيف وفضل الله واسع، وما ذكرناه ليس إلا قليلاً عن فضل الإمامة، ومنزلة الإمام.

نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين11.


1 كتاب مسؤولية إمام المسجد (1/4) نقلاً عن: (تفسير الطبري 19/34 ،وفتح القدير 1/ 137 والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني (ص 24 والصحاح للجوهري 5 /1865) وغاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام ص 39 ، وأحكام الإمامة والائتمام في الصلاة 62 )

2 رواه البخاري -4801- (16/207) ومسلم -3408- (9/352).

3 رواه أبو داود -434- (2/110) والترمذي -191- (1/349) وأحمد -6872- (14/413) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2787).

4 رواه مسلم -1077- (3/427).

5 جلاء الأفهام –لابن القيم- (1/415).

6 رواه مسلم -4831- (13/164).

7 غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/68) لـ(الإمام السفاريني).

8 رواه البخاري -2787- (10/198) ومسلم -4423- (12/132).

9 تحفة الأحوذي – (9/137) شرح النووي على مسلم – (8/150).

10 رواه الترمذي -2609- (9/299) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1838).

11 تمت الاستفادة بتصرف من كتاب مسؤولية إمام المسجد لـ(علي بن حسن بن ناصر عسيري).