إغلاق الميكرفونات الخارجية

إغلاق الميكرفونات الخارجية

 

إغلاق الميكرفونات الخارجية

 

تختلف الأنظار والآراء حول موضوع إغلاق الميكرفونات الخارجية في صلاة التراويح.

فمن قائل: بأهمية فتحها تذكيراً للغافل وإشاعة للذكر في الأحياء، وإعطاء جو إيماني جميل..

ومن قائل بإغلاقها والاكتفاء بالميكرفون الداخلي منعاً للتشويش بين المساجد، خصوصاً مع تقاربها في الأحياء ومنعاً للتشويش على النساء اللاتي يصلين في بيوتهن.

 

ومن قائل: إنها سبب في تأخر الكسالى عن الحضور للصلاة عموماً وعلى وجه الخصوص صلاة الفجر، حيث إن البعض يبقى في منامه إلى أن يسمع قراءة الإمام، وحينئذ لا يمكنه إدراك الصلاة، أو إدراك معظمها فيجب منعها!.

ومن قائل بالتوسط: فلا ينبغي أن يرفع الميكرفون ليكون صوته عالياً مزعجاً، ولا يجعل صوته منخفضاً جداً بحيث تذهب الفائدة منه، فهو لم يوضع إلا للاستفادة وإسماع الناس الأذان والإقامة للصلاة، فيجب أن يحقق الهدف الذي وضع من أجله.

 

يقول الشيخ صالح الوزان: وبعضهم يخرج صوته بالقراءة خارج المسجد بواسطة الميكرفون فيشوش على من حوله من المساجد وهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعاً فليس له أن يجهر جهراً يشغلهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد فقال: (يا أيها الناس كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة).1

 

ويذكر الدكتور سعود بن محمد البشر2 رحمه الله: إن رفع الصوت بالقراءة والدعاء عبر مكبرات الصوت حتى تختلط أصوات الأئمة في الأحياء التي تكثر فيها المساجد فيه مخالفتان على الأقل:

الأولى: المغالبة، قال القرطبي رحمه الله: (من حُرمته -أي القرآن- أن لا يجهر بعض على بعض في القراءة فيفسد عليه حتى يبغض إليه ما يسمع، ويكون كهيئة المغالبة)3.

 

والثانية: أنه يخشى على هذا من الرياء المحبط للعمل حين يعجب بحسن صوته وجملة الأدعية التي يحفظها، وحينما يشعر أن الناس يعجبهم ما يسمعون فيقع في نفسه أنه يناجي جماعة المسجد وأهل البيوت المجاورة وأصحاب المحلات القريبة من المسجد، فينسى أنه بين يدي الله وأنه في صلاة وأنه يناجي ربه، فيذهب من الخشوع والتذلل والانكسار بين ربه، وقد أرشد الله إلى غير هذا في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء .

قال أهل التفسير: لا تصل مرآة للناس ولا تدعها مخافة، وهذا تفسير ابن عباس الذي نقله عنه ابن جرير الطبري.

قال الحسن البصري رحمه الله: لا تحسن صلاتك في الجهر ولا تسيئها في السر، بل اتبع طريقاً وسطاً يكون دائماً في كل حال.4

 

قال ابن عثيمين رحمه الله عن مكبرات الصوت: (أرى أنه يجب على الإمام وجوباً أن يحبس الصوت عن المنارة، فإن احتاج في داخل المسجد فليجعل له سماعة داخل المسجد من أجل أن يستمع الناس إليه).5

لكن الأمر الوسط هو أن تكون الميكرفونات الخارجية في حالة متوسطة، بحيث لا ترفع فتزعج ولا تغلق فيظن الناس أنه لا صلاة، وأيضاً كثير من النساء وحتى أصحاب العمل والمهن المختلفة ربما يرتاحون لصاحب الصوت الندي وهم في أعمالهم أو بيوتهم، فلماذا يحرم الناس من أجر الاستماع والإنصات؟

 

أمر آخر: أن كثيراً من الناس يعتقدون أن إغلاق الميكرفونات الخارجية نهائياً مخطط من أعداء الله لكتم المساجد ومنع إظهار رسالة الإسلام، وتبليغ كلام الله وسنة رسوله للناس.. صحيح أن وسائل الاستماع متعددة كالكاسيت والسيدي والراديو وغيرها لكن ربما الرجال والنساء منشغلون أصلاً بأعمالهم ووظائفهم فلا يجدون وقتاً للاستماع والإنصات فلماذا لا يكون صوت الميكرفون الهادئ حافزاً لهم على الاستماع خاصة عندما يكون صوت الإمام جميلاً؟ الحقيقة أن الدعوة إلى إغلاق الميكرفونات الخارجية نهائياً هو نوع من وأد رسالة المسجد، وحصرها لأناس محدودين، فلا ينبغي حرمان الناس من سماع الذكر والقراءة والمواعظ.. وإذا تأذى الناس من الميكرفون ورفعت شكوى من ذلك فيمكن أن يخفض الصوت أو يغلق إذا دعت الحاجة لذلك.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 


 


1 مجموع الفتاوى (23/ 61). إتحاف أهل الإيمان ص50.

2 إمام المسجد مقوماته العلمية (طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة السعودية).

3 الجامع لأحكام القرآن (1/ 290).

4 المحرر الوجيز (5/ 530).

5 مجلة الدعوة 1418هـ من مقال للشيخ عبد الرحمن الوهيبي. والكلام السابق استفيد من كتاب المسجد في رمضان. لبشير العنزي. جزاه الله خيراً.