التفضيل بين الأذان والإمامة

التفضيل بين الأذان والإمامة والأ

 

التفضيل بين الأذان والإمامة والأذان والإقامة

 

     الحمد لله رب العالمين أمر أن لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين،وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

 أمَّا بعدُ:

إننا وفي موضوع سابق بعنوان"فضل الأذان" تكلمنا عن فضل الأذان, وأنه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله-عزوجل-، ونظراً لما ورد فيه من فضل عظيم فقد اختلف الفقهاء في أيّهما أفضل، الأذان أم الإمامة؟.

اختلف الفقهاء في التفضيل بين الأذان والإمامة أيهما أفضل، على قولين:

القول الأول: أن الأذان أفضل من الإمامة،وهو الراجح عند الشافعية ومذهب الحنابلة1.

أدلة أصحاب هذا القول:

أولاً: من الكتاب:

قوله-سبحانه وتعالى-:{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }(فصلت:33) .ووجه الاستشهاد أنَّ الآية الكريمة فُسِّرتْ بأنَّ المقصودَ بالدَّاعي هنا هم المؤذِّنون2.

ثانياً: من السنة:

1– حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:(الإمَامُ ضَامِنٌ والمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ،اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئمَّةَ,واغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ)3.وجه الدلالة أنَّ الحديثَ دلَّ على أنَّ الأذانَ أفضلُ من الإمامةِ،وذلكَ من وجهينِ:

الأول: أن الأمانة أعلى من الضمان4، فالأمين أحسن حالاً من الضمين؛ لأن الأمين متطوّع بعمله، والضامن من يجب عليه فعل ذلك5.

الثاني: أن المغفرة أعلى من الإرشاد6، فدعا للإمام بالرشد لخوفه من زيغه ودعا للمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله7.

2– عن معاوية–رضي الله عنه-,قال:سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:(المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) 8وغيرها من الأحاديثِ التي تقدمة في فضلِ الأذانِ.

وجه الدلالة من هذه الأحاديثِ أنها دلّتْ على فضائل عظيمةٍ للأذان والمؤذنين،ولم يرد للإمامة مثل هذه الفضائلِ.9

القول الثاني: أنَّ الإمامة أفضلُ من الأذان،وهو قول الحنفية والمالكية ووجه للشافعية,ورواية عند الحنابلةِ10.

أدلة أصحاب هذا القول:

استدلَّ القائلون بأنَّ الإمامةَ أفضلُ من الأذانِ، بما يلي:

1- حديث مالك بن الحُويرث-رضي الله عنه-,قال لنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبرُكم)11.ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الإمامة يختار لها مَن هُو أكملُ حالاً وأفضل،واعتبار فضيلة منزلته12، في حين أنه لم يشترط في المؤذن شرطاً13

2- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- والخلفاء من بعده كانوا أئمّة ولم يكونوا مؤذنين، وقد واظبوا على الإمامة، وهم لا يختارون من الأمور إلّا أفضلها، وكذا كبار العلماء بعدهم14.

وبعد أن ذكرنا كلا القولين مع الأدلة لكل قول يتبين أن القول الأول هو الراحج، وذلك لعدة أمور:

1-   ورود الأحاديث الدالَّة على فضل الأذان.

2-   أن الأذان علامة على الوقت فهو أكثر نفعاً من الإمامة15

3-   كون الأذان أكثر مشقَّة من الإمامة16.

4- أن التعليل بأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين أمُّوا ولم يؤذنوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأما إمامته-صلى الله عليه وسلم- وإمامة الخلفاء الراشدين، فكانت متعيّنة عليهم فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يكن يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقّهم أفضل من الأذان،لخصوص أحوالهم،وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل"17.

أما الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله- يقول: "والأذان من أفضل الأعمال، وهو أفضل من الإمامة، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام؛ لأن المؤذن يعلن لتعظيم الله وتوحيد الله، والشهادة للرسول بالرسالة، وكذلك أيضاً يدعو الناس إلى الصلاة والفلاح في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر، والإمام لا يحصل منه ذلك، والمؤذن لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة؛ ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة"18

 التفضيل بين الأذان والإقامة:

اختلف الفقهاء في التفضيل بين الأذان والإقامة،كما اختلفوا في التفضيل بين الأذان والإمامة,وهذا ليسَ غريباً على الفقهاء؛ لأنَّ مثل هذه الأمورَ  التي لم يرد فيها نصٌّ واضحٌ أن تختلف الأقوال كل بما يفهمه من النصوص الواردة في فضله،فمن البديهي أن يختلفوا في هذه المسألة مع أنها من جنس الأذان، وألفاظها متقاربة، وإنما كان الأذان إعلاماً للصلاة للتهيؤ لها، والإقامة للدخول والإحرام بها.

فالمسألة اختلف الفقهاء فيها على قولين:

القول الأول: أن الإقامة أفضل من الأذان. وهذا قول الحنفية، وبعض المالكية، باعتبار أنها آكد من الأذان؛ولأنه يسقط في مواضع دون الإقامة كما في حق المسافر، وما بعد أولى الفوائت وثانية الصلاتين بعرفة،و لاتصالها بالصلاة، وبطلان الصلاة على القول بتركها عمداً19

القول الثاني: أن الأذان أفضل من الإقامة. وهذا القول قال به بعض المالكية، والمصرّح به عند الحنابلة، باعتبار أنه شعار الإسلام، ويجب في المصر، وهو أكثر ألفاظاً وأبلغ في الإعلام20.

وفي آخر هذا المبحث الصغير "يتبين أن القول القائل بأن الأذان أفضل من الإقامة هو الراحج وذلك لوجاهة ما استدلّوا به"21.

وختاماً: فإن مثل هذا الإختلاف هو من الرحمة بالمسلمين، وإنَّ ترك ورود النص الصريح في مثل هذه الأشياء (أي التفضيل بين الأذان والإقامة وغيرها)كان له حكمة بالغة وهي ترك المجال لأهل العلم لكي ينظروا في مدلولات وأبعاد هذه النصوص، فكل يفهم فهمه،فتختلف الآراء، فيذهب كل منهم إلى ما رآه واقتنعت به نفسه،فلم يكن ذلك يغير لهم وداً ولا صحبة,بل كانوا إخوة متحابين يأخذ كل منهم العلم عن الآخر, وإن كان مخالفاً له في بعض المسائل الاجتهادية،فهذه رحمة من الله-سبحانه وتعالى-،ثم إن من الحكمة أن البشر بطبيعتهم الاختلاف لاختلاف قدراتهم في الفهم ولاستنباط.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصواب.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

والحمد لله رب العالمين


1 – راجع كتاب الأم (1/159)، وكتاب المغني (2/54).

2 – راجع: كتاب المجموع (3/84-85).

3 – رواه أبو داود- (527). والترمذي(207).وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم(2787).

4 – نهاية المحتاج(1/310).

5 -راجع المجموع(3/86).

6 – راجع كتاب المغني(2/54).

7 – مغني المحتاج(1/138-139).

8 – صحيح مسلم(1/242)(387). كتاب الصلاة، باب فضل الأذان.

9 – راجع: أحكام الأذان والإقامة ص(58).

10 – انظر : فتح القدير(1/255)، مغني المحتاج(1/138-139).

11 –  البخاري(628)، ومسلم (674).

12 – انظر : المغني (2/54).

13 – انظر : سبل السلام (2/417).

14 – راجع: فتح القدير(1/255).

15 – راجع: كتاب نهاية المحتاج.(1/310).

16 – راجع: كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين(2/37).

17 – راجع: الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص40

18 – راجع: شرح رياض الصالحين (3/141).

19 – راجع: حاشية رد المحتار لابن عابدين(1/388). وكتاب مواهب الجليل للحطاب(1/461).نقلاً عن كتاب"أحكام الأذان والإقامة"ص(62).

20 – مواهب الجليل للحطاب(1/461).

21 – راجع: كتاب أحكام الأذان والإقامة" ص(62).