أخطاء في صلاة التراويح

أخطاء في صلاة التراويح

يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، ولك الشكر على عظيم توفيقك وامتنانك، وأفضل صلاة وسلام على عبدك ورسولك، وخير من سعى إلى رضوانك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وكل من سارع في بلوغ جنانك.. أما بعد:

فإن لصلاة التراويح أثراً في نفوس المؤمنين، ولها في قلوبهم وقعاً ومكانة، ولهذا نجد المؤمن بالله الذي يرجو لقاءه يسارع إلى أدائها حتى يكملها مع الإمام محتسباً في ذلك بشارة النبي  حيث قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.1

ولأهمية هذه الصلاة ومكانتها في قلوب المؤمنين لا بد من تنبيهات على بعض الأخطاء التي تقع من بعضنا كي نتلافاها، من تلك الأخطاء:

اعتقاد أن صلاة التراويح واجبة، والتهجم على من يتركها:

تجد الناس يتوافدون إلى المساجد في أوائل رمضان، ثم يتناقصون شيئاً فشيئاً فلا يأتي آخر الشهر إلا والمصلون قلة في سائر الصلوات، وفي التراويح خاصة، وقد ينكر بعض الناس على من يترك صلاة التراويح، بل قد يصل الأمر ببعضهم أن يصف من يتركها بالمنافق أو نحو ذلك، والحقيقة أن صلاة التراويح ثوابها عظيم؛ لكن لا يجوز الإنكار على من تركها، أو وصفه بصفات خطيرة، إذ أن صلاة التراويح سنة من السنن، يسن أداؤها في المساجد، أو البيوت؛ جماعات، ووحداناً، وإنما الذي ينبغي هو حث الناس عليها، وتحبيبهم إليها، وأن يبين لهم عظيم الأجر في من يقوم مع الإمام حتى ينصرف، حتى يتوافدوا عليها، ويقوموا بها؛ لأن العلماء مختلفون في حكم أدائها جماعة أو أفراداً، وهل تستحب في البيوت أم في المساجد، كل ذلك قد جرى فيه للعلماء كلام نذكره فيما يلي: القول الأول: أن صلاة التراويح جماعة بالمسجد سنة مؤكدة، وهذا قول الأحناف والشافعية، والرواية الصحيحة عن الإمام أحمد، ويرى ابن عبد البر من المالكية أنها سنة على الكفاية.

القول الثاني: أن صلاة التراويح بالمسجد غير مسنونة، بل الانفراد فيها أفضل، قال بهذا مالك، والشافعي – في رواية عنه -، قال في حاشية الدسوقي2: “وندب فعلها في البيوت مشروط بثلاثة شروط: ألا تعطل المساجد، وأن ينشط بفعلها في بيته، وأن يكون غير آفاقيّ بالحرمين3، فإن تخلف شرط منها كان فعلها في المسجد أفضل”. القول الثالث: أن صلاة التراويح يجب فعلها في المسجد وجوباً على الكفاية، فإذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وحكى ابن عبد البر هذا القول عن الليث بن سعد وأبي جعفر الطحاوي, ويرى الليث وجوب إخراج الناس من بيوتهم لأدائها في المسجد لو أطبقوا على تركها.

فأقصى ما قيل في صلاة التراويح أنها واجب كفائي إذا قام به بعض المصلين سقط عن الباقين، مع أن الصحيح أنها سنة مؤكدة، فلم يقل أحدهم بأنها فرض عين، فتبين بهذا أن الترغيب في فعلها هو الأصل، ولا ينبغي التهجم على من يتركها، أو أن يوصف بصفات لا تليق به.

أقوال مبتدعة قبل صلاة التراويح:

من المنكرات الشائعة، والبدع الرائجة في كثير من البلدان قولهم عند صلاة التراويح: (صلوا يا حضار على النبي المختار) وغيره، وقول بعضهم: (صلاة التراويح أثابكم الله)، وكذا التهليل والتكبير بين كل ركعتين، وذكر الخلفاء الراشدين وغير ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، والجهر بكل ذلك تشويش في بيوت الله، وبدع يجب الإقلاع عنها.4

الانصراف قبل تمام صلاة التراويح: ثبت عن النبي  أنه قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وفي لفظ: بقية ليلته.5

فمن الخطأ أن ينصرف المأموم قبل أن ينصرف الإمام لأنه يفوت على نفسه أجراً عظيماً وهو ثواب قيام ليلة كاملة، وبعض المصلين يريد أن يقوم آخر الليل فينصرف عن الإمام قبل صلاة الوتر، وهذا لا يكتب له الأجر المذكور، وكذلك من ينصرفون عن الإمام الذي يصلي أكثر من إحدى عشرة ركعة فينصرفون عنه بحجة أن سنة النبي  لم يصل أكثر من إحدى عشرة في رمضان وفي غيره.

سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – السؤال التالي: إذا صلى الإنسان في رمضان مع من يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة، واكتفى بإحدى عشرة ركعة، ولم يتم مع الإمام؛ فهل فعله هذا موافق للسنة؟

فأجاب: السنة الإتمام مع الإمام ولو صلى ثلاثاً وعشرين؛ لأن الرسول  قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وفي اللفظ الآخر: بقية ليلته، فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف سواء صلى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة، أو ثلاثاً وعشرين أو غير ذلك، هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف، والثلاث والعشرون هي من السنن سنة الخلفاء الراشدين، ودل عليها حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي  أنه قال: صلاة الليل مَثْنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى متفق عليه، لأن النبي  لم يحدد فيه عدداً معيناً بل قال: صلاة الليل مثنى مثنى الحديث6، فعلم بهذا أن الانصراف قبل إكمال الإمام الصلاة يَحرم المسلم من الأجر الذي أخبر به النبي  .

فينبغي لمن حضر مع إمام أن يكمل الصلاة معه حتى يتمها، وإذا أراد مواصلة الصلاة بعد التراويح مباشرة أو آخر الليل شفع آخر الصلاة، وقام بعد سلام الإمام من الوتر، وأكمل الركعتين، ويكون قد انصرف مع الإمام إن شاء الله، وإن كان الأفضل له أن يسلم مع الإمام حتى يتحقق معنى الانصراف.

وأما من فاته شيء من أول صلاة التراويح فلا يقضيها بعد سلام الإمام من الوتر، بل إنه يشفع الوتر ويتمها بعد ذلك ثم يصلي الوتر، سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي: إذا حضرت الصلاة مع الناس وهم يصلون صلاة التراويح وقد فاتني شيء منها فهل أقضي ما فاتني بعد الوتر أم ماذا أصنع؟ فأجاب: لا تقضي ما فاتك بعد الوتر، لكن إن كنت تريد أن تقضي ما فاتك فاشفع الوتر مع الإمام، ثم صلِّ ما فاتك، ثم أوتر.7

حمل المصحف للمأموم:

لا ينبغي للمأموم أن يحمل المصحف خلف الإمام لأن ذلك مخالف للسنة، ولأنه يشوش على نفسه وعلى غيره وفي ذلك محذورات عديدة:

منها: أنه يحول بين المصلي وبين محل سجوده، والمشروع للإنسان إذا كان يصلي أن ينظر إلى محل سجوده، وهذا الذي حمل المصحف لا ينظر إليه.

ومنها: أنه يحول بينه وبين اتباع السنة في وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر.

ومنها: أن فيه حركة لا داعي لها، والحركة في الصلاة مكروهة، لأنها تنافي الخشوع، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان المصلي إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته، وعللوا ذلك بكثرة الحركات، وهذا المتابع لا بد أن حركات عينيه تكثر فترة عظيمة.8

أما الإمام إن احتاج إليه فلا بأس كأن يكون غير حافظ للقرآن، أو كان حفظه ركيكاً ينافي الخشوع لكثرة الرد عليه، وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة القراءة في المصحف مطلقاً للإمام والمأموم، ومنهم من ذهب إلى بطلان صلاتهما، لكن الصحيح أنها تجوز للإمام للحاجة كما كان ذكوان  يؤم عائشة – رضي الله عنها – فكان يقرأ من المصحف.

فعلى المؤتمين أن ينشغلوا بالاستماع والإنصات للتلاوة، وأن يتركوا ما من شأنه أن يشوش عليهم وعلى غيرهم صلاتهم، ولا ينبغي حمل المصحف للمأموم إلا إذا كان واحداً وراء الإمام يفتح على الإمام إذا أخطأ للحاجة، كما ذكر ذلك جمع من العلماء.

تكلف بعض أئمة المساجد تقليد أصوات غيرهم:

بعض الأئمة يعمد إلى تكلف تقليد قارئ معين أو أكثر من قارئ، حتى أنك لتحس التكلف واضحاً في صوته، وهذا عمل غير مرضي، وهناك فرق بين التقليد والتأثر، فقد يتأثر الإمام بصوت قارئ حسن الصوت فيصير ذلك عادة له، وقراءة له، بحيث يقرأ بها بدون تكلف، ولا محاولة موافقة له في كل نبرات صوته، وينبغي للإمام أن يأتي بصوته الذي خلق الله له، ولو أنه خشع في صلاته، وتفكر فيما يتلوه من الآيات، وأعمق الفكر في ذلك؛ لأثر في نفسه وفي غيره، فإن خشوع الناس لا يكون إلا بمقدار ما يخشع الإمام، والأصوات التي يتكلف فيها أصحابها التقليد للآخرين تؤدي إلى نفور كثير من الناس، وإن استحسنها البعض، إلا أن المسلم ينبغي له أن يكون ذا شخصية قوية مستقلة حتى في صوته وكلامه. وكما سبق فإن ما ينصح به الأئمة هو التركيز على التفكر في معاني الآيات ليرق قلبه هو أولاً، فإن ذلك يؤدي إلى خشوع المصلين، وهذا معلوم مجرب، وحتى لو تكلف الإمام الصوت وقلبه قاس بعيد عن التفكر فيما يقرأ فإن التأثر يكون ضعيفاً جداً أو معدوماً في نفسه، وفي نفوس من خلفه.

هذه بعض الأخطاء التي تقع في صلاة التراويح، وهناك أخطاء عديدة لا يتسع الموضوع لذكرها، قد يجدها القارئ الكريم في مقالات غير هذا الموضوع.

والله الموفق، والهادي إلى الصراط المستقيم.


1 رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره.

2 صاحب كتاب حاشية الدسوقي هو(مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الدُّسُوقِيُّ الْمَالِكِيُّ).

3 الآفاقي: نسبة إلى الآفاق جمع أفق (والأفق ما يظهر من أطراف الأرض) من كان خارج المواقيت المكانية للحرم ولو كان من أهل مكة. انظر: معجم لغة الفقهاء. لـ(محمد قلعجي) (1 /36).

4 المسجد في رمضان ص128 ، لبشير العنزي. بتصرف.

5 رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث صحيح. كما في صحيح الجامع (2417) للألباني.

6 مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (11/ 325).

7 نقلاً عن كتاب المسجد في رمضان (ص92) وهو بدوره نقل عن الشيخ العثيمين في اللقاء الشهري (8/ 80).

8 انظر فتاوى الحرم لابن عثيمين (2/ 75).