التثويب

التّثــويب فـي الأذان

التّثويب في الأذان

 

الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 أمَّا بعدُ:

تعريف التثويب:

في اللغة: مصدر ثوَّب يُثوِّبُ،يقال: ثابَ الرّجلُ يَثُوبُ ثوَباً:رجَع بعدَ ذهابِهِ،ويُقال:ثابَ فلانٌ إلى اللهِ، أي عاد ورجع إلى طاعتِهِ1.

في الاصطلاح: للتّثويبِ عند الفُقهاءِ إطْلاقانِ:

الأول: التّثويبُ الوارِدُ في السُّنَّة هو: العَوْدُ إلى الإعلام بالصلاة بعد الإعلام الأول،بقولِهِ:"الصَّلاةُ خيرٌ من النَّومِ"،مرَّتينِ في أذانِ الفجر2.

الثاني : التثويب المحدث، الذي أحدثه علماءُ الكوفة من الحنفية،وهو: أنْ يقولَ بين الأذان والإقامة(حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح) مرتين، أو أي عبارة أخرى حسب ما تعارف عليه أهل كل بلدة، كتنحنح، أو الصلاة الصلاة، أو قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ونحو ذلك3.

 التثويب في السنّة:

 اتفق الفقهاءُ رحمهم الله  على أنَّ هذا التثويب سنَّةٌ في الأذان لصلاة الفجر، وقد حكى الإجماعَ على ذلك ابنُ هُبيرة رحمه الله4.

ومِنْ أدلَّتِهم عَلَى أنَّ التَّثويبَ سُنَّة في أذانِ الفَجْرِ،مَا يَلِي:

1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة رضي الله عنه :"…فإنْ كَانَت صَلاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ:" الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ…"5.

2- حديث بلال رضي الله عنه  أنه أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُؤذنه بالصُّبحِ فوجده راقِداً، فقالَ: الصلاة خير من النوم، مرتين. فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم :" ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك"6.

3- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كَانَ التَّثْويبُ في صَلاةِ الغَدَاةِ إِذَا قالَ المُؤَذٍّنُ في أَذَانِ الفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، فَلْيَقُل: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ7.

موضع التّثويب في أذان الفجر:

اختلف الفقهاء في موضع التثويب في أذان صلاة الفجر، بعد اتّفاقهم على أنه سنّة فيه وذلك على قولين:

الأول: أن موضع التثويب يكون بعد قول المؤذن حيّ على الفلاح، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة، ورأي لبعض الحنفية8.

أدلتهم: استدل الجمهور على أن التثويب يكون بعد قول المؤذن حيّ على الفلاح، بما يلي:

1- حديث أبي محذورة رضي الله عنه قاله النبي صلى الله عليه وسلم :(تقول: الله أكبر، الله أكبر، …إلى أن قال:"..حي على الفلاح ، حي على الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خيرٌ من النَّوم، الصلاةُ خيرٌ من النَّوم، اللهُ أكبرُ…)

2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح، حي على الفلاح، فليقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم"9

3-   حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"كان في الأذان الأول بعد الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم"10.

الثاني: أن موضعه يكون بعد الأذان، وهو مذهب الحنفية11.

أدلة أصحاب هذا القول:

1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حُصاص كحُصاص الحمار، فإذا فرغ رجع، فإذا ثوب أدبر، فإذا فرغ رجع فإذا أقام أدبر، فإذا فرغ رجع وجعل يوسوس إلى المصلي أنه كم صلى" وجه الدلالة من هذا الحديث" أنه قال:"فإذا فرغ" أي من الأذان، ثم قال:"فإذا ثوب أدبر"، فذكر أن التثويب يكون بعد الفراغ من الأذان، وليس المراد بالتثويب هنا الإقامة؛ لأنه صرّح بذكر الإقامة بعد التثويب12.

2- حديث بلال رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقداً، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أحسن هذا يا بلال، اجعلْهُ في أذانك" وجه الدلالة أنَّ بلالاً قال التثويب بعد الانتهاء من الأذان، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

 و" القول بأن التثويب يكون بعد قول المؤذن(حي على الفلاح)، هو القول الراجح؛ وذلك لثبوت الأدلة الصريحة في ذلك"13.

في أي أذاني الفجر يكون التّثويب:

اختلف جمهور الفقهاء  القائلون بأن التثويب يكون بعد قول المؤذن (حيّ على الفلاح) من أذان الفجر هل يُشرع في الأذان الأول،للفجر أم في الأذان الثاني؟ وذلك على أربعة أقوال:

1-   أنه يُشرع في الأذان الأول الذي يكون قبلَ طُلُوع الفجر،وهو رأيٌ لبعضِ الحنابلةِ.

أدلتهم:

*حديث أبي محذورة رضي الله عنه في تعليم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له الأذان، وفيه:" تقول: الله أكبر.." إلى أن قال:"الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح"14.

* حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال: " كنت أُأذن لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله15.

وجه الدلالة من الحديثينِ أنَّ الصريح فيهما بأن التثويب مخصوص بالأذان الأول من صلاة الصبح، دون الثاني16

2-   أنه يُشرع في الأذان الثَّاني الذي يكونُ بعد طُلُوعِ الفجرِ، وهو مَذْهبُ الحَنَابلةِ.

أدلة أصحاب هذا القول:

1- أن روايات الأحاديث جاءت بمشروعية التثويب قيدته بالأذان لصلاة الفجر، أو الصبح، وهذا ينصرف إلى الأذان الثاني الذي يعتبر هو الأصل المتفق عليه،وهو الذي يكونُ بعد دخولِ وقتِ الصَّلاة17.

2- حديث نعيم بن النَّحَّام رضي الله عنه ،قال:" كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح، فلمَّا سمعت قلت: لو قال:"ومن قعد فلا حرج"، قال: فلمَّا قالَ:"الصلاة خير من النوم"، قال: ومن قعد فلا حرج18. ووجه الدلالة من هذا الحديث تتضح على أن التثويب يكون في الأذان الثاني من الفجر في عدة مواضع من الحديث19.

 

3-   أنه يُشرع في كل أذان للصبح، سواء كان الأول الذي قبل الفجر ، أو الثاني الذي بعده، وهو وجه للشافعية، ورأي لبعض مُتأخِّري الحنابلةِ.

أدلة أصحابِ هذا القولِ: أنَّ في ذلكَ جمعاً بين الآثارِ20 الواردةِ في ذلكَ.

4-   أنه إنْ ثوَّب المؤذِّنُ في الأذان الأول بم يثوب في الثاني، وهو الوجه الثاني للشافعية.

أما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  فإنه يؤيد هذا القول فيقول:"زعم بعض المتأخرين أنها تقال – أي الصلاة خير من النوم" في الأذان الأول قبل الفجر، وأخطئوا خطأ عظيماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يقولها في أذان الفجر قال: "إذا أذنت الأول في صلاة الصبح فقل: الصلاة خير من النوم". ومعلوم أن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" وسمى أذاناً أولاً باعتبار الإقامة؛ لأن الإقامة أذان ثان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" بين كل أذانين صلاة"21. وجاء في صحيح مسلم رحمه الله  من حديث عائشة  رضي الله عنها  قالت: فإذا أذن للأذان الأول للفجر: قام النبي – صلى الله عليه وسلم  حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه لصلاة الفجر. وهذا صريح في أن أذان الفجر الأول يكون بعد دخول الوقت، وأما الأذان آخر الليل فليس أذاناً للفجر، بل هو أذان للنائمين ليقوموا وللقائمين ليرجعوا ويتسحروا إذا كان ذلك في رمضان22.

والله الموفق


1  لسان العرب (2/144 147).

2  المجموع (3/100).

3  المغني (2/61).

4  المجموع(3/100)، ومغنى المحتاج(1/136).

5  رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف الأذان(500).وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

6  رواه الطبراني في المعجم الكبير(1/340)، والحديث له روايات أخر، منها ما رواه ابن ماجه في كتاب الأذان، باب السنة في الأذان(1/237)(716)، وصحح الألباني رواية ابن ماجه في صحيح سنن ابن ماجه.

7  البيهقي في السنن الكبرى وصححه (2/195).(2024)، وابن خزيمة في صحيحه(386).

8  شرح معاني الآثار(1/137).

9  البيهقي في السنن الكبرى وصححه (2/195).(2024)، وابن خزيمة في صحيحه(386).

10  أخرجه الدار قطني في السنن(1/251).وقال ابن حجر: "سنده حسن" انظر: التخليص (1/205).

11  المبسوط (1/130).

12  أحكام الأذان والإقامة ص(87).

13  راجع: كتاب أحكام الأذان والإقامة ص(88).

14  رواه أبو داود(501).وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1/148).

15  أخرجه النسائي(646)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.

16  راجع: الدرر السنية في الأجوبة النجدية(4/208).

17  الشرح الممتع للعثيمين(2/57).

18  أحمد، والبيهقي في السنن الكبرى(2/150).

19  راجع: كتاب الأذان لأسامة القوصي ص(71 72)

20  الدرر السنية(4/210).

21  صحيح البخاري (627,624). ومسلم(838). من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه .

22  راجع: شرح رياض الصالحين (3/140).