سجود السهو
"إن كثيراً من الناس يجهلون كثيراً من أحكام سجود السهو في الصلاة ،فمنهم من يترك سجود السهو في محل وجوبه ، ومنهم من يسجد في غير محله ،ومنهم من يجعل سجود السهو قبل السلام وإن كان موضعه بعده ، ومنهم من يسجد بعد السلام وإن كان موضعه قبله ، ولذا كانت معرفة أحكامه مهمة جداً لا سيما للأئمة الذين يقتدي الناس بهم وتقلدوا المسؤولية في اتباع المشروع في صلاتهم التي يؤمون المسلمين بها "1
من المعلوم أن سجود السهو شرع لجبر الخلل في تمام الصلاة؛ من نقص أو زيادة أو شك .كما أن في تلك السجدتين ترغيماً للشيطان، وزيادة في حسرته؛ لأنه لم يرض بالسجود أول مرة..
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك جانباً وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعتا له صلاته، وإن كان صلى تماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان)).
وهنا مسائل في سجود السهو نشير إليها إشارات سريعة:
كيفيته: هو سجدتان يسجدهما المصلي قبل التسليم أو بعده،كما سيأتي بيانه.
وأسبابه ثلاثة : الزيادة والنقص والشك .
محله:
أما محله "فَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ . قِيلَ : كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقِيلَ : كُلُّهُ بَعْدَهُ وَقِيلَ : بِالْفَرْقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.. وَقِيلَ : بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَسْجُدَ قَبْلَ السَّلَامِ ; لَكِنْ مَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالسُّجُودِ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَ بَعْدَهُ ; لِأَجْلِ النَّصِّ ; وَالْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد . وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد
قَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : أَنَا أَقُولُ : كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ وَسَائِرُ السُّجُودِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى" 2
وهو "أحسن ما يقال في هذا المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله -صلى الله عليه وسلم- من السجود قبل السلام وبعده، فما كان من أسباب السجود مقيداً بقبل السلام سجد له قبله، وما كان مقيداً ببعد السلام سجد له بعده، وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيراً بين: السجود قبل السلام وبعده، من غير فرق بين الزيادة والنقص؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( إذا زاد الرجل أونقص فليسجد سجدتين))" ا.هـ . الشوكانيُّ رحمه الله.
لأن " الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبَيِّنُ ضَعْفَ قَوْلِ كُلِّ مَنْ عَمَّمَ فَجَعَلَهُ كُلَّهُ قَبْلَهُ أَوْ جَعَلَهُ كُلَّهُ بَعْدَهُ .و بَقِيَ التَّفْصِيلُ . فَيُقَالُ : الشَّارِعُ حَكِيمٌ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِلَا فَرْقٍ فَلَا يَجْعَلُ بَعْضَ السُّجُودِ بَعْدَهُ وَبَعْضَهُ قَبْلَهُ إلَّا لِفِرَقِ بَيْنَهُمَا"3
ولابد من تفصيل الأحوال التي يشرع فيها سجود السهو قبل أو بعد السلام حتى تتضح ومنها:
1. إذا أنقص المصلي من الصلاة وسلم قبل إتمامها فإن هذا النقص إما أن يكون نقص ركن أو واجب أو نقص سنة؛ فإن الناقص ركناً وكان تكبيرة الإحرام بطلت الصلاة سواء كان الترك عمداً أم سهواً لأن الصلاة لم تنعقد .
وإن كان غير تكبيرة الإحرام ووصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغيت الركعة التي تركه منها ،وقامت التي تليها مقامها وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام .
ويفرق بين الركن والواجب من حيث أنه يرجع إلى المصلي إلى الواجب إن كان لم يصل إلى الركن الذي يليه، فإن وصل لم يرجع. أن نسيانه لا يبطل الركعة التي هو منها.4
ويدل على هذا حديث أبي هريرة قال: (صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، فصلى ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمني على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه، ووضع خده على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان – أي الذين يخرجون من المسجد بعد السلام مباشرة- من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة! وفي القوم أبوبكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل يقال له: ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟! فقال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟!)) فقالوا: نعم… فقام فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه).متفق عليه, ففي هذا الحديث حصل نقص في الصلاة ثم أتم وسجد له سجدتان.
2. عند الزيادة في الصلاة: إذا زاد المصلي ركعة أو ركناً من أركان الصلاة أو واجباً آخر، فيها ناسياً، ثم اذكر آخر الصلاة سجد للسهو بعد السلام؛ لحديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خمساً، فقيل له: أزيدَ في الصلاة؟ فقال: ((وما ذلك؟)) فقالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم) رواه الجماعة.
"والسلام قبل تمام الصلاة من الزيادة في الصلاة فإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته متعمداً بطلت صلاته .
وإن كان ناسياً ولم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد .وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين وثلاث فإنه يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم ".5
دليل ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فخرج السرعان من أبواب المسجد يقولون : قصرت الصلاة ، وقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبة المسجد فاتكأ علها كأنه غضبان ، فقام رجل فقال يا رسول الله : أنسيت أم قصرت الصلاة ؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لم أنس ولم تقصر ، فقال رجل : بلى قد نسيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة : أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ما بقي من صلاته ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم . متفق عليه .
3. عند نسيان التشهد الأول:
وفيه خلاف هل هو من السنن أم من الواجبات, وليس هذا موضع تفصيل ذلك, ولكن إذا نسيه المصلي واذكره قبل أن يستتم قائماً رجع فإنه يجلس ويتشهد ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
وإن ذكر بعد أن استتم قائماً سقط عنه التشهد فلا يرجع إليه فيكمل صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم .
وقد قيل بهذا التفصيل لئلا يزاد الصلاة، لأن السجود لجبر النقص فإذا لم يستتم المصلي قائماً ورجع، فالتهيؤ للقيام زيادة؛فلا يجمع بينها وبين السجود في الصلاة، وكان السجود بعد السلام، وإن استتم قائماً؛ أنقص التشهد فناسب أن يسجد قبل السلام.
أمام دليل ذلك فهو ما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس (يعني التشهد الأول ) فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم .
4. نسيان سنة من سنن الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم :" لكل سهو سجدتان " ، وهو حديث حسن، رواه أبو داود وأحمد وغيرهم6 ومحله قبل السلام لأنه الأصل
5. السجود عند الشك في الصلاة:
ولا يخلو الشك في الصلاة من حالتين :
الحال الأولى : أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم مرة أخرى.
مثال ذلك : شخص يصلي الظهر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
دليل ذلك : ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين . هذا لفظ البخاري
الحال الثانية : أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته ، ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم .
لحديث ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم…)) رواه مسلم وأحمد.
وفي الأخير نرجع ونقول: إن ( الأمر واسع في ذلك فكلا الأمرين جائز، وهما السجود قبل السلام وبعده؛ لأن الأحاديث جاءت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.. لكن الأفضل أن يكون السجود للسهو قبل السلام إلا في صورتين: إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فإن الأفضل أن يكون سجود السهو بعد إكمال الصلاة والسلام منها، اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سلم عن نقص ركعتين في حديث أبي هريرة وعن نقص ركعة في حديث عمران بن حصين – رضي الله عنهما- سجد للسهو بعد التمام والسلام.
الصورة الثانية: إذا شك في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً في الرباعية، أو اثنتين أو ثلاثاً في المغرب أو واحدة أو اثنتين في الفجر، لكنه غلب على ظنه أحد الأمرين وهو النقص أو التمام، فإنه يبني على غالب ظنه، ويكون سجوده بعد السلام على سبيل الأفضلية لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه- والله ولي التوفيق.) أ.هـ من كلام الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله (مجلة الدعوة العدد 1665).
إلا أن على المسلم أن يتحرى الصواب الموافق للدليل لا أن يتشهى الأقوال بهواه والله أعلم
نسال الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا
والحمد لله رب العالمين