استخلاف الإمام

 

 

استخلاف الإمام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

الاستخلاف معناه في موضوعنا هنا: أن يخلف الإمامَ إنسانٌ آخر لإكمال الصلاة، إذا حصل له طارئ أثناء الصلاة.

حكم الاستخلاف اختلف العلماء فيه-في الجملة- على قولين:

الأول أنه جائز، وبه قال عمر بن الخطاب وعلي وعلقمة وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه وقول الشافعي في الجديد وأصحابه وأحمد وأكثر أصحابه. أي قول جماهير العلماء..

واستدلوا بفعل عمر بن الخطاب حينما طعن: أنه أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه؛ فأتم بهم الصلاة) رواه البخاري.

القول الثاني لا يجوز الاستخلاف.. وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد.

وتعليلهم: بأنه لا ولاية للإمام إذ هو نفسه بمنزلة المنفرد، فلا يملك النقل إلى غيره، وكذا القوم لا يملكون النقل.

والصحيح قول الجمهور؛ لفعل عمر، ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة..

ويرد على تعليلهم: بأن للإمام الولاية على المأمومين في الصلاة هي ولاية المتبوعية،فهم يتابعونه في أفعال الصلاة، ولا يختلفون عليه، فهو دليل على ولايته عليهم.. ثم إن استخلافه لغيره معناه: إكمال الصلاة جماعة وعدم اختلال الأمور على المأمومين،فلا حرج في ذلك، بل إن ذلك من مقاصد الشريعة.

متى يشرع الاستخلاف؟

اختلف العلماء في ذلك على أقوال:-

القول الأول أن الاستخلاف يجوز في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول إذا خاف الإمام من تلف مالٍ له أو لغيره، كانفلات دابة أو ولد أو مجنون أو أعمى أن يقع في بئر أو نار.

الموضع الثاني إذا حصل للإمام طارئ أثناء الصلاة، يمنعه من إتمام الصلاة، كالرعاف أو سبق حدث أصغر أو أكبر، أو تذكر حدث.

الموضع الثالث إذا طرأ على الإمام ما يمنع الإمامة لعجز عن ركن، كعجزه عن الركوع أو القراءة في بقية الصلاة.

القول الثاني يجوز له الاستخلاف لحدوث مرض للإمام، أو حدوث خوف، أو حدوث حصر له عن قول واجب،كقراءة وتشهد وتسميع وتكبير وتسبيح ركوع وسجود ونحوه؛ لوجود العذر، مع بقاء صلاته وصلاة المأمومين وهو مذهب الحنابلة.

ولو سبق الإمام الحدث أو فعل ما يبطل الصلاة كالكلام والضحك بقهقهة فصلاتهم باطلة -على مذهب أكثر الحنابلة- وفي رواية لأحمد أن ذلك يصح فيه الاستخلاف.

القول الثالث كل مبطل لصلاة الإمام يجوز الاستخلاف لأجله، سواء لحدث تعمده أو سبقه أونسيه أو بسبب آخر أو بلا سبب، وبه قال الشافعية.

القول الرابع أن يكون الحدث سماوياً لا اختيار للعبد فيه، ولا في سببه، غير موجب لغسل ولا نادر وجود كإغماء وقهقهة، وكذا إذا حصر عن قراءة قدر المفروض، وهو قول الحنفية.

والراجح – والله أعلم- أن الإمام إذا كان معذوراً في هذا المبطل لصلاته كأن سبقه الحدث، فإن صلاة المأمومين لا تبطل فيجوز الاستخلاف، وأما إذا تعمد الحدث أو المبطل فلا.

والخلاصة: أنه إذا خاف الإمام من هلاك نفس أو مال، أو عجز عن ركن قولي كالقراءة فإنه يجوز الاستخلاف، وإذا حصل مبطل من مبطلات صلاة الإمام وهو معذور في ذلك بأن سبقه الحدث أو ذكر أثناء الصلاة أنه محدث، سواء كان حدثاً أكبر أو أصغر،

فإنه يجوز أن يستخلف، أما إذا تعمد الحدث أو أي مبطل من مبطلات الصلاة كالقهقهة والكلام العمد فإنه لا يجوز الاستخلاف لبطلان صلاة المأموم كالإمام.1 وكذا لو حصل إغماء أو غيره فمن باب أولى أن يستخلف.

والله أعلم.

شروط الاستخلاف

الشرط الأول كون المستخلف صالحاً لإمامة هؤلاء المصلين.

فلا يجوز أن يستخلف أمياً ولا امرأة للرجال ونحو ذلك ممن لا تصح إمامته.. وهذا  الشرط نصت عليه المذاهب الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي.

الشرط الثاني إذا حصل مبطل الصلاة كخروج ريح أو غيره فإنه لا يجوز أن يفعل الإمام ولا المأمومون ركناً بعد حصول المبطل للصلاة، والسبب أن ذلك الركن لو فعل بعد حصول المبطل لكان خارجاً عن الإمامة، إنما هو من فعل المنفردين لفوات ذلك الركن دون اقتداء.

ومثاله إذا أحدث الإمام في الركوع فلا يجوز له القيام بعد الحدث، بل لا بد أن يستخلف وهم راكعون؛ لأنه بمجرد الحدث بطلت إمامته فهو كعدمه، وإذا رفع المأمون لوحدهم أو رفعوا مع رفع الإمام بطلت صلاتهم؛ لأنهم فعلوا ركناً بدون اقتداء، وعلاج ذلك الأمر: أن يقدم الإمام رجلاً وهم راكعون ليتم الصلاة بهم.. هذا الشرط ذكره الحنفية والشافعية.

الشرط الثالث أن يكون الاستخلاف قبل خروج الإمام من المسجد، وهذا الشرط نص عليه الحنفية؛ لأن خروج الإمام من المسجد قبل الاستخلاف يجعل المأمومين بدون إمام فتبطل صلاتهم.

إلى هنا.. وبالله التوفيق..


1 انظر (أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة) للمنيف ط1 1407هـ.