ماذا ينقمون من أبي هريرة رضي الله عنه

ماذا ينقمون من أبي هريرة رضي الل

ماذا ينقمون من أبي هريرة رضي الله عنه

عبد الله قهبي

أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولامه فقال عليه الصلاة والسلام (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا). يقول أبو هريرة رضي الله عنه قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما ( أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟). قال فقُلْتُ له يا رسول الله : أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ. فلم يكن لأبي هريرة في الدنيا مطمعا بل كان همه الآخرة ، والآخرة خير وأبقى ، كان يقول رضي الله عنه : إِنَّ إِخْوَانِي المُهَاجِرِيْنَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً مِنْ مَسَاكِيْنِ الصُّفَّةِ أَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِيْنَ يَغِيْبُوْنَ، وَأَعِي حِيْنَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ يُحَدِّثُهُ يَوْماً: (إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِي جَمِيْعَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلاَّ وَعَى مَا أَقُوْلُ). فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيْتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ ثم يقول : ولولا آية أنزلها الله في كتابه ما حدثت الناس شيئا أبدا :وهي قوله تعالى { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}البقرة 159- 160) .

عباد الله : لقد ظل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – على مرأى ومسمع من كبار الصحابة والتابعين ، ويبلغ الآخذون عنه كما ذكر ذلك البخاري ، ثمانمائة من أهل العلم ، ولا يعرف أن أحداً من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه ، وكلهم يجمع على جلالته والثقة به ، حفظ الكثير من الأحاديث ، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والإيمان والتقوى، والمروءة، والأخلاق، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام البخاري في صحيحه قال أبو هريرة رضي الله « والله الذي لا اله إلا هو إن كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني».

كل ذلك حرصا على العلم وتحصيله . بل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ببروعه في العلم وأمّن عليه الصلاة والسلام على دعاء أبي هريرة رضي الله عنه حين قال : اللهم إني أسألك علما لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( آمين ) إن أبا هريرة رضي الله عنه محفوف بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية الكريمة ، فيا عجبا كيف يستكثر المنافقون على أبي هريرة رضي الله عنه حفظ بضعة الآف من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لم تبلغ العشرة الآف حديث ، أو ما يعلم هؤلاء أن أبا هريرة رضي الله عنه أصبح بعد دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم مهيئا لحفظ ما شاء من العلوم ببركة دعوة الحبيب عليه الصلاة والسلام ، أو ما يعلم هؤلاء أن صغار المسلمين اليوم يحفظون من الأحاديث أكثر مما حفظ أبو هريرة رضي الله عنه وهو محفوف بدعوة نبوية كريمة ، بل إن كثيرا من العلماء المعاصرين والسابقين حفظوا من مشكاة الوحي والسنة النبوية أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة رضي الله عنه من الأحاديث، فهل نستكثر عليهم ذلك وقد وهبهم الله من فضله ورحمته ، فكيف نستكثر ونستكبر على أبي هريرة ما حفظ من السنة ولكن ما نقول إلا كما قال الله في كتابه ، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (46))الحج ،

عباد الله : إن حفظ القرآن لو قيس بعدد أحاديث السنة لبلغ مئات الآلاف من الأحاديث ومع ذلك نجد من أبناء المسلمين اليوم من يحفظه وهو لا يتجاوز الرابعة من عمره ،فألا لعنه الله على من يلمزون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير القرون المفضلة ، الذين زكاهم الله جملة بقوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } آل عمران ، ورضي عنهم بقوله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(100) التوبة ، يقول طلحة بن عبيد الله وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: بطلحة الخير : لا اشك بان أبا هريرة رضي الله عنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وشهد له عبد الله بن عمر فقال: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه ، قال الشافعي رضي الله عنه : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره.

ومن هنا فاني احذر الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل بأن الطعن به طعن بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على السنة الشريفة. قال تعالى{ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (66-65) التوبة، يقول الإمام القرطبي رضي الله عنه إن الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، ثم نقول للمنافقين وأشباههم ، ألم يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن في قوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(9)) الحجر ،،، أو ليس من الحفظ للقرآن حفظ السنة ، لأن السنة مبينة للقرآن وهل يتبين لنا فهم القرآن إلا بما رواه الصحابة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ،،، ولو لم يحفظ الله لنا السنة لكان ذلك سبب في عدم حفظ القرآن ، لكن الله بين لنا بيانا جليا بحفظ الوحي والوحي يشمل الكتاب والسنة قال صلى الله عليه وسلم ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ) أي من السنة وكلاهما وحي نطق به محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن لقنه جبريل عليه السلام ذلك قال تعالى{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(3،4) سورة النجم ، ولو لم تكن السنة محفوظة ، لما علمنا كيف نصلي وكيف نصوم وكيف نزكي ، قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة النحل: 44)، وقال أيضًا جل ذكره: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سورة النحل: 64)، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة.

 والسنة أيضا تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي كما ينزل القرآن تماما إلا أنها لا تتلى كما يُتْلَى القرآن. قال الشافعي رحمه الله الشافعي (( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن،،، وقال الأوزاعي رحمه الله عن حسان بن عطية رحمه الله : نزل جبريل بالسنة على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما نزل بالقرآن ،،، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أما الرسول صلى الله عليه وسلم فينزل عليه وحي القرآن ووحي الحكمة والحكمة هي السنة المذكورة في قوله سبحانه {ويعلمهم الكتاب والحكمة } البقرة 129، وكقوله سبحانه {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } (34) سورة الأحزاب،،، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال " إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه " .

عباد الله : لو أفترى أبو هريرة رضي الله عنه على وحي السنة لكان الله له بالمرصاد ،، ، تأملوا معي ماذا يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ*لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ*فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (44-47) سورة الحاقة،، قال ابن كثير رحمه الله لو كان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَزْعُمُونَ مُفْتَرِيًا عَلَيْنَا فَزَادَ فِي الرِّسَالَة أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ قَالَ شَيْئًا مِنْ عِنْده فَنَسَبَهُ إِلَيْنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَعَاجَلْنَاهُ بِالْعُقُوبَةِ ، فكيف بمن هو أدنى منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوّل على شرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا صاحب رسول الله صلى الله ، عليه وسلم أن يتقولوا على الله شيئا لم يأمر الله به .

 فاللهم عليك بمن سب أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم ، عباد الله وفي عصر العلم الحديث وفي هذا القرن تسبق وتنير روايات أبي هريرة رضي الله عنه لعلماء هذا العصر الطريق للغوص في لجج العلم المتفرق سواء في الأرض أو في السماء أو في الفضاء أو في البحار أو في الطب أو في النباتات أو الجبال أو أو وعدد ما شئت روايات صحيحة صريحة شهد لها الأعداء من أهل العلم بصدق دلالاتها العلمية وأعلنوا ذلك في مؤتمراتهم الإسلامية والعالمية علانية وسرا ، ومن شاء أن يتبين من ذلك فليراجع مواقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ليرى ويسمع من كبار علماء الغرب التصريح الصريح في إنارة روايات أبي هريرة رضي الله عنه لبحوثهم العلمية السابقة ولمستقبلية التي أفنوا فيه عشرات سنين عمرهم ، فماذا يدل ذلك أيها المكابرون ، وماذا يدل ذلك أيها المعاندون ، وماذا يدل ذلك أيها المستهزئون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال تعالى{ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (66-65) التوبة، والحمد لله رب العالمين .