تنظيف المسجد

تنظيف المسجد

 

تنظيف المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف وأكرم مبعوث إلى العالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن مما اختص الله به هذه الأمة المرحومة أن جعل لها الأرض طهوراً ومسجداً، فأيما رجل من المسلمين أدركته الصلاة فليصلّ حيث أدركته. وإن الإسلام وضع للمسجد مكانة ومنزلة عظيمة واهتم بنظافتها، فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند جيد عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر ببناء المساجد في الدور وأمر بها أن تنظف وتطيب..

وعن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (عرضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد).1

وإن المساجد بيوت الله – عز وجل – جعلها لعبادته فيجب صيانتها من الأقذار والروائح الكريهة. روى مسلم في صحيحه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن..

وفي الحديث المتفق عليه عن جابر – رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أكل الثوم أو البصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).

ولقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – في جدار المسجد نخامة فتناول حصاة فحكه2 وعدها خطيئة وقال: (البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها).3 وفي حديث أبي ذر عند مسلم قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن).

قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد؛ بل به وبتركها غير مدفونة..

وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة  من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب عليَّ خطيئة الليلة. قال: فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها.4

إذن لقد أولى الإسلام المساجد بالاهتمام وحث على نظافتها، لأن في ذلك أجراً عظيماً وعلى المسلم المحافظة على نظافة المسجد وذلك حال دخوله المسجد فلا يأتي إلا نظيفاً متطيباً حتى لا يؤذي المسجد ومن في المسجد، بل الواجب عليه إذا رأى قذراً أن يزيله كما أمر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ وقد كان الصحابة يحافظون على نظافة المسجد، ويطيبونه، فقد كان عبد الله يجمر المسجد (أي يعطره) إذا قعد عمر على المنبر.5

ولا يفهم أحد من المسلمين أن نظافة المسجد إنما هي وظيفة الخادم لبيت أو المنظف فقط؛ بل هي قربة وعبادة ومهمة كل مسلم، وتعاهد المسجد لا يقتصر على شخص معين، بل كل مسلم مسؤول عن تعاهده أو المحافظة على أثاثه ونظافته، كما يتعاهد بيته، ويحافظ عليه، بل المسجد أولى من البيت؛ لأنه بيت الله.

 وقد أمر الله – تعالى- المسلمين بأخذ زينتهم عند كل مسجد، وما ذلك إلا لتبقى بيوت الله نظيفة، تفوح منها الروائح الزكية الطيبة التي تحث من ارتيادها على المكوث فيها، وأداء شعائر الله وفرائضه .

ولقد أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الداخل إلى المسجد أن يتأكد من نظافة جسده ونعله، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه، فرضعها عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن جبريل أتاني، فأخبرني أن فيهما قذراً – أو قال: أذى– وقال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً فليسمحهما، وليصل فيهما).6

وبوب مسلم في صحيحه "باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح وإخراجه من المسجد"

وذكر حديث جابر عنده والبخاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته …

فيجب على كل المسلم أن يهتم بنظافة مسجده وقد قال الله – تعالى-: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}7.

أسأل الله أن يوفقنا لطاعته واجتناب معاصيه إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين،،،


 


1– قال في الثمر المستطاب أخرجه أبو داود ( 1/76 ) والترمذي ( 2/150 ) قالا : ثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي : ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن المطلب بن حنطب عن أنس مرفوعا به . وقال الترمذي :  ( حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) قال :  ( وذاكرت به محمد بن إسماعيل ( يعني : البخاري ) فلم يعرفه واستغربه   وأيا ما كان فإن للحديث شاهدا مرسلا نحوه أخرجه ابن أبي داود كما في ( الفتح ) فهو به حسن إن شاء الله تعالى وقد صححه ابن خزيمة .  ثم رجعت عن هذا وذهبت إلى أن الحديث ضعيف فانظر ( ضعيف أبي داود ) ( رقم 71 )

2 – البخاري مع الفتح برقم (409).

3– البخاري مع الفتح برقم (415).

4– إصلاح المساجد للقاسمي ص215.

5– أخرجه أبو داود.  

6– انظر المسجد في الإسلام لخير الدين وانلي ص145.

7 -(32) سورة الحـج.