قتل غير المسلم في ميزان الإسلام

قتل غير المسلم في ميزان الإسلام

قتل غير المسلم في ميزان الإسلام

عبد الله قهبي

عباد الله : إن وجوب معاداة الكفار وبغضهم ، وتحريم موالاتهم ومحبتهم جاءت في كتاب الله صريحة ومتنوعة ومن الآيات الدالة على هذا الأمر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ } (1) سورة الممتحنة، وموالاة الكفار ومحبتهم منكر عظيم ، قد يخرج الإنسان من دين الإسلام بالكلية إلا أن الكافر لا يخلو إما أن يكون حربياً فهذا ليس بيننا وبينه إلا إظهار العداوة والبغضاء له،وإما أن يكون ليس بمحارب كالذمي والمستأمن وبيننا وبينه عهد فهذا يجب مراعاة العهد الذي بيننا وبينه فيحقن دمه ولا يجوز التعدي عليه وتؤدى حقوقه إن كان جاراً، ويزار إن كان مريضاً ،وتجاب دعوته بشرط دعوته للإسلام في كل هذه الحالات وهذه هي رحمة الإسلام بكل الخلائق مؤمنهم وكافرهم قال تعالى:  { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (156) الأعراف قال الألوسي رحمه الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } "أي شأنها أنها واسعة تبلغ كل شيء، وما من مسلم ولا كافر، ولا مطيع ولا عاص، إلا وهو متقلب في رحمة الله " روح المعاني (9/76) وقال السعدي رحمه الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } أي من العالم العلوي والسفلي، والبر والفاجر والمؤمن والكافر، فما من مخلوق إلا قد وصلت إليه رحمة الله وغمره فضله وإحسانه. لكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة ليست لكل أحد، ولهذا قال عنها سبحانه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} (156) سورة الأعراف، أي يتقون المعاصي صغارها وكبارها ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان تفسير (1305) عباد الله : إن الإسلام دين الرحمة وإن المسلمين أمة الرحمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء…) سنن الترمذي (4/323) رقم (1924) وقال: "هذا حديث حسن صحيح" وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض) شاملة للإنسان مسلما أو كافرا، وللحيوان كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "قال بن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم، فتح الباري (10/440)، وقد وردت أدلة أخرى يدل عمومها على أن هذا الشمول مقصود، فقد وصف الله تعالى المؤمنين بالتراحم بينهم، فقال سبحانه {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح (29)،والكفار الذين يكون المؤمنين أشداء عليهم، هم المحاربون لهم المعتدون عليهم، الذين يقاتلونهم ويخرجونهم من ديارهم، أو يظاهرون عليهم ، أما غير هؤلاء فيجب رحمتهم وعدم إيذائهم بقول أو فعل امتثالا لقول الله تعالى {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }(8،9 الممتحنة، وهذا نداء رباني نوجهه لأولئك الذين قاموا بقتل الرعايا الفرنسيين فوقعوا بجهلهم في شر أعمالهم ولم يعلموا أن ممن قتل كان مسلما يحرم قتله أو إيذاءه لقد قتلوا النفس المسلمة بغير حق ولا وجه والله تعالى يقول  {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، ومن قتل معاهدا أو ذميا بغير حق لم يرح رائحة الجنة قال صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري: الجزية (3166) والله تعالى يقول {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ } (33) سورة الإسراء ، وجاء في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) صحيح البخاري (6/2686) رقم (6941) و صحيح مسلم (4/1809) رقم (2319)، وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من العدوان على الناس، عباد الله : إن الواجب والأصل أن يقوم المسلمون بدعوة غيرهم إلى هذا الدين، ليتمتعوا برحمة الله في منهج حياتهم الدنيا، ولينالوا رضاه ورحمته في الآخرة، تحقيقا لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وليكن أساس دعوتهم اللين والحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله تعالى بذلك نبيهم، وأمره أمر لأمته ، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل(125) وجاء في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه، عندما أرسله إلى يهود خيبر:( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) صحيح البخاري (4/1542) و صحيح مسلم (4/1872)،فالمسلمون هداة رحماء، يجاهدون في سبيل الله، من اعتدى عليهم وعلى دينهم، ليحفظون بجهادهم ضرورات حياة البشر، من الدين والنفس والنسل والعقل والعرض والمال، يجاهدون دفعا لعدوان المعتدين على المسلمين، ودحرا لمن يقف أمام دعوة الله في أرض الله،ولمن يقف ضد تطهير الأرض من براثن الشرك والفساد ، وعين الرحمة مجاهدة كل من يأبى الإسلام ليدخل الإسلام رحمة به وخشية عليه أن يموت على الكفر فيدخل نارا خالدا مخلدا فيها أبدا وهذه مرحلة تأتي بعد مرحلة الدعوة باللين والرفق والحكمة، والرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ، وجهاد الطلب يكون بإذن إمام المسلمين إذا توفرت فيه القدرة والاستطاعة ، فمتى ما تحقق الشرطان جاهدنا باللسان والسنان فمن أبى إلا البقاء على دينه ألزمناه بدفع الجزية مقابل حماية نفسه وعرضه وماله طالما يعيش بيننا وله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين من أمور الدنيا ، هذا هو عدل الإسلام ، الذي لا يكره على الإسلام أحدا قال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (256) سورة البقرة ،ويقول سبحانه { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (29) سورة الكهف،عباد الله :لقد حرم الله تعالى الظلم وحرمه على ذاته المقدسة،فقال سبحانه،في الحديث القدسيّ: "يا عبادي، إنِّي حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّما، فلا تظالموا…"رواه مسلم.

وإنَّ ما علَّمنا إيَّاه ديننا، وأمرنا به ربُّنا هو العدل والقسط حتى مع من نبغض ونكره قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، وفي القصاص والعقاب أمرنا ربُّنا سبحانه بالعدل:فقال سبحانه {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ } (126) سورة النحل، فكيف بمن لم يؤذينا أليس من الظلم الإعتداء عليه ، يقول الإمام القرطبيُّ في قوله تعالى {ولا يجرمنَّكم شنآن قوم..} الآية: "ودلَّت الآية أيضاً على أنَّ كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، فالعدل هو منطق ديننا وأساسه، ولا يقوم ديننا بغيره، ولا نكون مسلمين إن لم نعدل. قال صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلمٍ يدعو الله عزَّ وجلَّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: …..الحديث ) رواه الإمام أحمد بسندٍ صحيح. فلا يجوز الدعاء بإثم. وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم الدعاء للغير بالهداية: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "اللهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون" بل رفض عليه الصلاة والسلام حين آذاه قومه ما عرضه عليه ملَك الجبال: حين قال له ، يامحمد ، إن شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين)؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا :" بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا".وروى البخاريُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إنَّ "دوسا" قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقال: "اللهمَّ اهدِ دوساً وائت بهم" فدعا لهم بالهداية ولم يدع عليهم. وروي عن جابر رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، أحرقَتْنا نبال ثقيفٍ فادع الله عليهم، فقال: "اللهمَّ اهد ثقيفًا" رواه أحمد والترمذيُّ بسندٍ صحيح.

عباد الله ما كان ديننا ليظلم، وما كان المسلمون بظلمة، ولا تجتمع رسالة الهداية مع منطق العدوان العامِّ الشامل. قواعد ديننا تأمرنا ألا نظلم، وهدي نبينا عليه الصلاة والسلام في دعائه ألا ندعو بإثم، فالعدل مطلوبنا ومركوبنا امتثالاً لكتاب ربنا قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة النحل، الآية: 90) ،كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما جالسا فمرت جنازة من أمامه فقام لها فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال:"أليست نفساً" أخرجه الإمام البخاري، وهذا يدل على عظمة حرمة النفس التي خلقها الله ،وفي عدل عمر يتجلى لنا الإسلام ، رأى الفاروق رضي الله عنه شيخاً متوكئاً على عصاه يسأل الناس، فسأل الفاروق عنه، فقيل إنه كتابي وفي رواية نصراني، فقال: "خذوه إلى بيت المال، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته وتركناه عند شيبه".وروى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ذبحت في بيته شاه فقال: أهديتم لجارنا اليهودي منها؟ قالوا:لا، قال أهدوا إليه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أخرجه الإمام البخاري. فهذا ديننا وهذه شريعتنا فلنتمسك بها دونما عاطفة أو هوى امتثالا لقول ربنا جل وعلا {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم (43) الزخرف .

 

والحمد لله رب العالمين