قصة القرية

أنهلك وفينا الصالحون

 

أنهلك وفينا الصالحون

قصة القرية حاضرة البحر  الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ

"أحمد الزهراني"

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..

 أما بعد : فقد تناقل الناس وعرف بينهم ما يقع في بعض المدن من فساد واختلاط بين الجنسين ومجاهرة من أهل الفجور بفجورهم وذلك في أماكن تسمى أماكن السياحة أو الملاهي فتقع تلك المنكرات دون أن ينكر منكر بل يهيأ لهم الجو للفساد ويمنع أهل الإصلاح من القيام بدورهم. وأنتشر ذلك في كثير من بلاد المسلمين حتى تلك التي لم يكن يخطر على البال أن تكون على هذه الحال !! ونحن نضع بين يديك أخي الكريم عدداً من الأحاديث التي فيها ذكرى لمن أراد أن يتذكر { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى ( ) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ( ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ( ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } روى البخاري في كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. عن أبي مالك الأشعري سمع النبي  صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم يعني الفقير لحاجة، فيقولون ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" ( العلم ): الجبل. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ( ) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( ) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ () أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( ) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } الأعراف: 94-99). وروى أحمد في مسنده برقم : 21202، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير، فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم، باستحلالهم الخمور، وضربهم بالدفوف، واتخاذهم القينات"   أيضاً برقم : 21725، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفس محمد بيده، ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو ، فيصبحوا قردة وخنازير ، باستحلالهم المحارم والقينات، وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير"

 وفي صحيح البخاري في كتاب الأنبياء عن زينب بنت جحش قالت إن رسول الله صلى عليه سلم دخل عليها فزعاً يقول : "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذا" وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش : يا رسول الله أنهلك وفينا الصــالحون؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث". قال تعالى: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ( ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه: 123-124

هذه آيات بينات وأحاديث لا شك في صحتها بأن الله توعد المفسدين بالهلاك والعذاب العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة وهنا يــقـول الـفـرد الـمسـلم وماذا علي حتى أنجو من العذاب هل يكفي أن أكون صالحاً في نفسي ؟؟ الجواب: لا بل يجب أن تكون مصلحاً وإلا شملك العذاب !! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الهلاك يعم إذا كثر الخبث الصالح والطالح ولكن الله وعد المصلحين وهم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحفظ فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود: 117.

واستمع أخي الحبيب إلى هذه القرية التي كانت حاضرة البحر كيف نجى الله المصلحين منهم وأهلك البقية : قال تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ0وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ0فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ0فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ0وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} الأعراف: 163-167. فتأمل أخي قصة أهل هذه القرية التي كانت حاضرة البحر كيف انقسم أهلها إلى ثلاثة أقسام: عصاة، وصالحون، ومصلحون، وتأمل الآيات كيف قام المصلحون بالدعوة فأنكر عليهم الصالحون! وقالوا لا فائدة من إنكاركم ولا من إصلاحكم؟! فهؤلاء قوم فاسدون لا خير فيهم. فكانت النتيجة أن نجى الله المصلحين، وأهلك الفاسقين، وسكت عن الذين لم يقوموا بالإصلاح فاختلف العلماء هل أهلكوا أم لا على قولين. روى البخاري في كتاب الشركة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ؟ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )، تأمل أخي الحبيب هذا الحديث وكيف أن نية الذين في أسفل السفينة كانت طيبة !! وهو عدم إزعاج من فوقهم ؟؟ ولكن ما هي النـتيجة لو تركهم الذين في أعلى السفينة ؟! إنها الغرق للجميع فالواجب على من أراد النجاة لمجتمعه أن يسعى في إنكار المنكر والأمر بالمعروف حسب قدرته واستطاعته فإنه متى أستجيب له نجا المجتمع جميعاً ومتى لم يستجب له فإن الله وعده بالنجاة ويهلك الظالمين فقال (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}الأعراف: 165. روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).

فعلى المسلم الذي يؤمن بوقوفه بين يدي الله ويرجو لقاء ربه الإنكار للمنكرات وأول ذلك الإنكار بقلبه وذلك بما يلي:

1-   عدم الذهاب إلى تلك الأماكن أبداً.

2-    عدم الجلوس مع من يذهبون إلى تلك الأماكن إلا إذا علم منهم التوبة والإقلاع عن ذلك

ثم إن عليه أن ينكر بلسانه وهذا لا يتصور العجز عنه إلا في حالات نادرة فينكر على من رآه من المسلمين أو علم أنه سيذهب إلى تلك الأماكن وينكر على من يذكر تلك الأماكن في المجالس ويبين حكم الله فيها وينذرهم العذاب . ثم إن على المسلم الإنكار بيده متى كان له ولاية أو سلطة ابتداءً من الأب وانتهاءً بمن ولاه الله أمر المسلمين وليعلم الجميع أنهم مسئولون بين يدي الله. روى البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد : عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله " ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة