الالــــتزام
"أحمد سعد الدين"
والالتزام لغة:
الاعتناق، ( مختار الصحاح ) وفى المعجم الوجيز: لزِمَ لُزُما : ثبت ودام لزم الشيء فلاناً: وجب عليه. لزم العمل: داوم عليه. ألزم الشيء : أثبته وأدامه لازمه ملازمة، لِزَما : داوم عليه. التزم الشيء أو الأمر : أوجبه على نفسه. اللِّزام : الملازم جدا، وفى القرآن : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } الفرقان: 77، اللُّزَمَة : من يلزم الشيء فلا يفارقه ..
و إن معنى الالتزام الحقيقي ليثير في نفس كل منا شجون و تساؤلات .. و يجعله يسأل نفسه سؤالاً مباشراً: هل أنا ملتزم ؟ فما هو الالتزام و ما هي علاماته ؟
إن الالتزام الحقيقي ـ أخي الفاضل ـ ما هو إلا تحقيق لمعنى الإسلام الذي نلتزم به ، و إن من أعظم معانيه الاستسلام لله عز وجل .. الاستسلام الكامل في كل شئون الحياة فيجدنا حيث أمرنا ولا يرانا حيث نهانا .. فالفرد الملتزم مستسلم لأمر ربه في عقيدته و عبادته و سلوكه و معاملاته بين الناس . و الأمة الملتزمة مستسلمة لأمر ربها في شرعها و حكمها و علاقتها بسائر الأمم . فالالتزام الحقيقي هو تحقيق قول الله عز وجل : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، الأنعام:162-163، هو تحقيق رسالة الإنسان في هذه الحياة : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }، الذاريات:56. هو الاستسلام الكامل لأمر الله و رسوله صلى الله عليه و سلم :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ، الأحزاب:36، و من علامات هذا الالتزام الاستسلام لأمر الله عز وجل في الظاهر و الباطن .. ففي الباطن : يلتزم المسلم بتوحيد الله عز وجل و بتقوى الله عز وجل و الخوف منه و الرجاء في رحمته .. إلخ و في الظاهر : يلتزم المسلم بأداء ما افترض الله عز وجل عليه من صلاة وصيام و حجاب للمرأة المسلمة ….. إلخ وعلى هذا فمن أظهر للناس صلاحاً و هو غير ذلك في خلوته فالتزامه ناقص .. و من أظهرت للناس صلاة و صياماً للنوافل وهي غير مرتدية للحجاب الشرعي فالتزامها ناقص .. و من أظهر للناس ذهاباً و إياباً للمساجد ولسانه غير منضبط فتارة يغتاب و أخرى ينم و ثالثة يكذب فالتزامه ناقص …. لكن هذا الالتزام لا يأتي في يوم وليلة بل يحتاج مجاهدة و محاولة تلو المحاولة و فشل يعقبه نجاحات بفضل الله وعلى قدر إخلاص الإنسان وعلى قدر إرادته وبذله يترقى في مقامات الالتزام بدين الله عز وجل .
و أثناء هذه المحاولات المتتالية يعتري الإنسان شيء من الفتور و الإحساس بالملل، و هذا شعور طبيعي ليس بغريب، فقد أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح، ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر". ففي بداية الالتزام تكون " الشرة " و العنفوان و القوة كإنسان ظامئ وجد الماء أمامه فشرع ينهل منه الكثير و الكثير ، ثم يعقب هذا " الفترة " و هي الفتور و الشعور بالكسل و الملل . فالواجب علينا كما أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا نجعل فترات الفتور تصل بنا إلى المعصية أي أن نجعل لأنفسنا حداً أدنى من العلاقة مع ربنا لا ننزل عن هذا الحد أبداً … قد نعلو عنه في أوقات " الشرة " لكن لا ننزل عن هذا الحد أبداً في أوقات " الفترة " .
و على طريق الالتزام وحين يتملك من الإنسان الفتور يحتاج الإنسان أعواناً على الخير و يكون في أشد الاحتياج إلى صاحب يقوي من عزمه، و يشد من أزره، و يذكره بربه، و لذا أرشدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصحبة الصالحة فقال لنا : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . فلابد من مصاحبة الأخيار الأطهار الذين يعينون على طاعة الله عز وجل و البعد عن مصاحبة الفجار الذين ينسى الإنسان معهم دينه و خلقه فالصاحب ساحب . فالمصاحبة تكون للأخيار الأطهار الملتزمون بدينهم، أما غيرهم من غير الملتزمين فالواجب دعوتهم بالحكمة و الموعظة الحسنة و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر، و جذبهم إلى طريق الالتزام لا الانجذاب معهم إلى طريق المعصية . فديننا يأمرنا ألا يكون أحدنا إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنا، و إن أساءوا أسأنا، و لكن علينا أن نوطن أنفسنا إن أحسن الناس أحسنا ، و إن أساءوا أن نجتنب إساءتهم…