سكن الإمام والقيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الإمام في مسجده له دور كبير، وأجر عظيم، وهو يقوم بعمل من الأعمال الدعوية، فهو داعية بقراءة القرآن الكريم بصوت مؤثر في نفوس الناس، وهو داعية من حيث كونه يقرأ القرآن، فإن قراءة القرآن في الناس لا تقل شأناً في التأثير عن الدعوة إلى الله تعالى بما سواه، فإذا اجتمع إلى ذلك الدروس العلمية والكلمات الوعظية، فقد أدى واجباً عظيماً من واجبات الدعوة إلى الله تعالى.
وأفضل شيء بالنسبة للإمام أن يتفرغ للمسجد، ويجهز له السكن القريب الملاصق للمسجد، ليكون أدرى بشؤون مسجده وأحرص على القيام بالمهام في وقتها، وأن يوفر له ما يعيشه ويقيته وأسرته من كفالة أو راتب ونحوها من الحكومات أو الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ومثله القيم –المؤذن ومصلح شؤون المسجد-.
وفي هذا الزمن -وبحمد الله- فقد سعى أهل الخير في كثير من البلدان بإقامة مساجد ويلحقها مبان كثيرة منها سكن الإمام والقيم وربما مدرسي التحفيظ. إضافة إلى مدارس التحفيظ والمغاسل، وهذا من أفضل الأعمال وأعظم القربات إلى الله تعالى.
وهناك تصميم جيد في بعض البلاد وهي أن يجعل أحد الأبواب التي يدخل منها الإمام إلى المسجد نافذة إلى بيته، فيصلي السنة في البيت ثم يخرج ويفتح الباب إلى المسجد مباشرة ويصلي بالناس. وهذا يحسن فيما لو كان يوم الجمعة؛ لأن الإمام إذا كان خطيباً يحتاج إلى المرور بين الناس وهذا يشق عليه وعليهم إذا كان المسجد ممتلئاً، فوضع باب قريب من المحراب أو المنبر يسهل دخوله في الأوقات التي يكون المسجد فيها مزدحماً.
إن بعض المساجد -وخاصة في المدن- تعاني من سوء العناية وإهمال القيام بها حق القيام، نتيجة لعدم توفر سكن لإمام المسجد أو المؤذن والقائم عليه، فبيوت القائمين على المسجد بعيدة مما ينتج عنه إهمال، وربما تتعرض تلك المساجد إلى عبث الأطفال أو السّراق. فقرب سكن الإمام والقيم له فوائد عديدة، وهي معروفة في المساجد التي وفرت فيها كل الحاجيات، فما أحوج المسلمين إلى الاهتمام ببيوت الله تعالى عمارة حسية ومعنوية، وما أعظم المساجد حين تكون منارات شاهقة في جو السماء تعلم الناس الخير، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر!.
فينبغي العناية بأئمة المساجد من قبل أولياء الأمور أو الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، لأن الإمام له التأثير البالغ في المجتمع والأثر الواضح في الناس.
ومن الأمور التي يجب مراعاتها أن بناء بيوت للأئمة والقيمين ينبغي أن لا يسرف فيه، ولا يزهد حتى يكون بناء متهتكاً، بل يكون وسطاً، ويكون أيضاً على حسب طلب المتبرع أو القائم على الإعمار، لأن البعض ربما أسرف في الكماليات فيضر بالميزانية العامة للبناء، أو ربما تهاون فبنا بناء لا يناسب الإمام، كأن يكون ضيقاً جداً يكفيه وأسرته.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود، حفظه الله السؤال الآتي:
هل يجوز للمشرف على بناء سكن الإمام والمؤذن التوسع في البناء من ديكورات وجبس وحدائق وسيراميك وغير ذلك من الكماليات الشكلية وغير الضرورية؟ علماً بأن المبلغ المدفوع من صدقات المسلمين؟ فأجاب الشيخ:
"الواجب أن يُبنى سكن الإمام والمؤذن بالمعتاد بين الناس، إلا إذا كان الذي أمر بالبناء أمر ببنائه على وصف معين؛ لأن المساجد تتفاوت، فيه مساجد تُبنى بعدة ملايين، فهذه قد يكون بناء المسجد وبناء بيت الإمام والمؤذن يكون على طريقة معينة، فلا بأس بالتوسع في هذه الناحية، أما إذا كان المسجد بني على طريقة متوسطة، وليس فيه هذه الأشياء، ثم إنه عند بناء بيت الإمام والمؤذن زيد فيها من الكماليات فهذا لا ينبغي، إلا إذا كان قد أخبر من تبرع بالمال بذلك، فلو قال المتبرع بعشرين أو خمسين ألف ضعوا في بيت الإمام والمؤذن كذا وكذا وأذن بذلك فلا بأس، أما بالنسبة لعموم التبرعات فالأولى ألا توضع إلا بما هو معتاد ومما يناسب بناء المسجد ومتوسط البناء المعروف، بلا إفراط ولا تفريط".1
فهذا ما ينبغي مراعاته عند بناء المساجد وملحقاتها, ونسأل الله أن يوفق القائمين على المساجد لما يحب ويرضى. فإنه خير موفق ومعين.