الـرؤى والأحـلام
” سلمان بن يحي المالكي “
معنا في هذه الليلة موضوعٌ مهم يتناوله الإعلام والناس في مجالسهم وفي أطروحاتهم، وهو موضوعٌ مسيس الحاجة إليه، في بيان أحاكمه وأحواله، إنه موضوع الرؤى والمنامات في أحوالها ومناطاتها، فإن موضوع تعبير الرؤى والأحلام أيها الأحبة، موضوع راج سوقه في هذا الوقت، وعظُم الاهتمام به، في طبقاتٍ عدة من الناس، فاحتاج هذا الموضوع إلى إيضاح وتفصيل لأحكامه تبصرة وذكرى، وتنبيها على الأخطاء المتعلقة به، ومن تلك الأحكام ما يلي:
أولا: قد صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم ” الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءا من النبوة ” ووجه ذلك والله أعلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثةِ بستة أشهر كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وكانت مُدة نبوته في مكة والمدينة ثلاثا وعشرين سنة، فصح أن ستة أشهر بالنسبة لثلاثة وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً وقيل غيرُ ذلك من الأقوال في هذه المسألة والله تعالى أعلم .
ثانيا: قسم العلماء رحمهم الله تعالى ما يراه الناس في مناماتهم إلى ثلاثةِ أنواع وأقسام:
أولا: الرؤى الصالحة وهي من عندِ الله تعالى بُشرى وفرح وتطمين وتثبيت لهذا المؤمن .
الثانية: حُلُم مؤذ من الشيطان، وهو تحزين وتخويف وأذى، وربما سماه بعض العوام بالكابوس .
الثالث: أضغاث أحلام، وحديثُ نفس لا أثر له وربما رجع حديثُ النفس إلى أحد النوعين السابقين، إما أن يكون رؤيا صالحة أو حلما مؤذٍ من الشيطان .
إذا فالحاصل أن المعتبر هو في القسمين الأولين . إما أن تكون الرؤيا من الله فرح وتطمين، أو من الشيطان حزن وتخمين .
ثالثا: من أحكام الرؤى:
أن للرؤى الصالحة أحكام واعتبارات، يجب مراعتُها والتنبه لها، فهي أولا: بشرى وتطمين من الله جل وعلا لهذا الرائي، ولهذا الرؤيا الصالحة لا تعدوا أن تكون من جنسِ المبشرات، وثانيا: ينبغي حمد الله تعالى على هذه الرؤيا والثناء عليه بها، لأنها نعمة تفضَل الله بها على عبده يبشره ويطمنه ويسكن قلبه بها، وثالثا: أن لا يحدث بها الإنسان إلا من يحب، ويتمنى له الخير، ولا يعرضها إلا على لبيب عالم ناصح، يضن فيه الخير وهو من أهل الصدق والأمانة، وليحذر في هذا الباب، أهلَ الهوى وأهل التعالُم والدعاية والتعبير وهم لا يعرفون .
رابعا من أحكام الرؤى:
أن الحلُم الذي هو تحزين وإفزاع من الشيطان له أحكام صحت بذلك السنة والنبوية، يجب مُراعاتها والعمل بها، فيجب على الرائي لهذه الرؤيا أن يراعي الأحكام التالية:
أولا: أنك إذا رأيت حُلُما مفزعا فانتبهت من نومك، يجب عليك أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن الشيطان هو سبب هذا التحزين، فتتعوذ بالله من الشيطان ومن شره ثلاثا في جهتك اليسرى .
ثانيا: تتعوذ بالله من شر ما رأيت، ثلاث مرات، فإن إذا فعلت ذلك لا تضرك بإذن الله تعالى .
ثالثا: تنفث عن يسارك ثلاث مرات تحزينا لهذا الشيطان الذي أفسد عليك وحزن عليك حلمك في نومك .
رابعا: تتحول من الجنب الذي أنت عليه إلى جنب آخر، فإن كنت نائما على جانبك الأيمن فرأيت هذا الحلُم ثم تعوذت بالله من الشيطان ومن شر ما رأيت ثلاثا وتفلت، فانتقل إلى الجانب الأيسر، وإن كنت على جانبك الأيسر فانتقل إلى الأيسر، وإن كنت على ظهرك مستلقيا فانتقل إلى جانبك الأيسر .
الخامس: أنه إذا تكررت عليك هذا الحلُم والرؤيا المزعجة، فقم وتوضأ وصل لله ركعتين، واعلم أنها لا تضرك إن شاء لله . السادس: أنه يجب عليك ألا تتحدث بهذا الحلم أو تنشغل به، أو تشغل به نفسك وخاطرك بالتفكير فيه، فإنه لا يضرك والحالة هذه، كما يجب أن تتنبه ألا تسأل عن تعبير هذا الحلم وتفسيره لأنه لا يعدوا أن يكون من عدوك الشيطان حزينا لك وتخويفا وإفزاعاً، وإهمالك له وعدم انشغالك به، دحرا لهذا الخبيث، وراحة لبالك، وطمأنة لنفسك، وتوكلا واعتماداً على ربك جل وعلا .
المسألة الخامسة مما يتعلق بتعبير الرؤى وأحكامها:
أنه يجب العلم أنه لا يترتب على هذه الرؤى أيا كانت سواء رؤى من الله تعالى في بابا البشرى والتطمين أو حلما من الشيطان، أنه لا يترتب على هذه المنامات أيةُ أحكام شرعية دينية أو اعتقادات لأن العلم و القول والاعتقاد مبني على الوحي الشريف من كلام الله تعالى القرآن وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة فقط، ولا ينبني من الرؤى من الأحكام والاعتقادات والأحوال شيء، وإنما الذي يبني على هذه المنامات الأحكام والاعتقادات هم الصوفية وأهل البدعة والخرافة والشعوذة وبعض الطوائف والفرق وأهل الهوى على الرؤى المنامية يعولون أحكاما شرعية واعتقادات دينية وتأملات وتصورات ورجما بالغيب وكل ذلك ليس بصحيح، بل هو دائر أن يكون من الهوى أو من الشيطان، ولهذا هؤلاء يعتبرون المنامة مصدرا من مصادرِ الديانة بالإلهام وهذا أمر خطير جدا على العقيدة قبل أن يكون خطيراً على السلوك والعمل .
المسألة السادسة: أنه يجب على المسلم العاقل ولا سيما أخواتُنا من النساء ومن ضِعاف الإيمان: يجب عليهم الحذر من مُدعي التعبير من المتعالمين والجهال وأهل الكذب والشعوذة والخرافة والكهانة الذين يدّعون علم الغيب، ويروجون على الناس بدعوى تعبير المنامات، وأن لا يعرضَ المسلم ما يشُدُ الحاجةَ إلى تعبيره من منامه، إلا على أهل العلم والصدق والخبرة والدِيانة فقط، ويحذر مِن سواهم أشد الحذر، سلامة لعرضه وبراءة وصِيانة لعقيدته ودينه .
المسألة السابعة:
أنه لا يسوغُ للمؤمن أن يسأل عن كل رؤى ومنام رآه، بل يكون عاقلا فطنا، كما لا يليق به أن يضيع أوقاته للجلوس لتعبير الرؤى، أو نشر الهواتف والعنوانين، والمراسلات عبر وسائل الإعلام من إنترنِت وقنوات وهواتف وبريد وغيرها، وإبراز وسائل الإعلام للقضايا الشخصية والمنامات الخاصة، فإن هذا من عدم الستر، ومن الترويج الفاسد لهذه البضاعة الكاسدة، ومن تضليل الناس وتشويه عقولهم وقلوبهم، مع ينساق لهذا العبث: حب الشهرة والظهور وعطف الناس إليهم مما هو فتنة للناس ولهم . والمنار والمدار في هذا كله إنما هو تقوى الله عز وجل وعلى مخافته ومراقبته وخشيته، واخشى أن ينصرف الناس عبر تطاول الزمن على الوحيين في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الوهام والظنون والأهواء من خلال التعلق بالرؤى والمنامات وما يجره ذلك من الخرافات فينزلق في مهاوي التصوف وشطحات الصوفية لا سيما إذا كان المعبر من العوام وأوساط المتعلمين، ولا أظن دعوى ادعاء المهدي المنتظر عنا ببعيدة وما جرته على البلاد والعباد وحرم الله تعالى من الفتنة الهوجاء، وإنما كان ذلك بسبب هذه الرؤى المنامية، وما انبنى عليها من الأحكام والاعتقادات الدينية والعقدية، والله المستعان وهو المسئول أن يلهمنا رشدنا، ويوفقنا في الفقه في دينه، ويرزقنا الثبات عليه وأن يتولانا برحمته، وأن يختم لنا برضوانه، وأن يعيذنا من أسباب الفتنة في النفس والعرض والدين، هو سبحانه ولي التوفيق والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين