دورة في تعليم أحكام التجويد

دورة في تعليم أحكام التجويد

من الآداب التي ينبغي لقارئ القرآن أن يتأدب بها عند قراءته لكتاب الله أن يقرأ القرآن مرتلاً مجوداً، يراعي عند قراءته قواعد التجويد التي اصطلح العلماء على وضعها حفاظاً لكتاب الله من القراءة الخاطئة، وهو أمر مهم لأن القراءة الصحيحة لا تتم إلا به خاصة في الأزمنة البعيدة عن زمن الفصاحة قال الله تبارك وتعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً سورة المزمل (4).

قال ابن الجزري – رحمه الله -:

والأخذُ بالتجويدِ حتمٌ لازمٌ من لم يصحح القرآن فهو آثمُ
لأنه بــه الإلـه أنـزلا وهكـذا منه إلينا وصـلا
وهو أيضاً حِليةُ التــلاوة وزينةُ الأداءِ والقـــراءةِ1

وقد سئل علي  عن ترتيل القرآن الكريم فقال: “هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف”2، وعن ابن مسعود  أنه قال: “لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة”3.

والتجويد لا يعني التلحين المفرط، والتمطيط المخرج للقرآن عن جماله وروعته أو ما أشبه ذلك من التكلفات التي يتكلفها بعض القراء، ولكن كما يقول الإمام السخاوي – رحمه الله – في مطلع قصيدته المسماة “عمدة المفيد وعدة المجيد في معرفة التجويد”:

يا من يَرومُ تلاوةَ القـرآن ويَرُودُ شـأو أئمةَ الإتقان
لا تحسب التجويد مداً مفرطاً أم مــدَّ ما لا مدَّ فيه لِوان
أو أن تشدد بعد مدّ همـزة أو أن تلوك الحرف كالسَّكران
أو أن تفوه بهمزة متطوعاً فيفـر سامعهـا من الغثيـان
للحرف ميزان فلا تك طاغياً فيه ولا تك مخسر الميزان4

وهذا ما عبر عنه الشنقيطي بقوله: “إن للمد حدوداً معلومة في التجويد حسب تلقي القراء – رحمهم الله -، فما زاد عنها فهو تلاعب، وما قلّ عنها فهو تقصير في حق التلاوة.

ومن هذا يعلم أن المتخذين القرآن كغيره في طريقة الأداء من تمطيط وتزيد لم يراعوا معنى هذه الآية الكريمة، ولا يمنع ذلك تحسين الصوت بالقراءة؛ كما في قوله : زينوا القرآن بأصواتكم5.

ولأهمية التجويد في قراءة القرآن الكريم لزم المسلم أن يتعلم أحكام التجويد حتى يقرأ القرآن قراءة صحيحة كما أنزله الله على رسوله ، ولا يمكن ذلك إلا بالقعود مع العلماء والمجيدين لهذا الفن.

والمطلوب من أهل الشأن، وأهل الله وخاصته أهل القرآن أن يقوموا بالقرآن حق القيام كما أمر الله  ورسوله ، وكما جاءت النصوص الشرعية تحث على تعليم القرآن وتعلمه، وتُذكِّر بالفضل العظيم، والأجر الكبير؛ الذي يناله قارئ القرآن، ومعلمه الناس.

ومن هذا المنطلق الشرعي العظيم كان لا بد من إقامة دورات تهتم بالقرآن تجويداً وقراءة صحيحة سليمة من العيوب والأخطاء الجلية والخفية، حتى يكون هناك عدد لا بأس به في كل بلد، وفي كل منطقة من العالم؛ تقرأ القرآن بالطريقة الصحيحة.

ويقترح في هذا الشأن إقامة دورة متخصصة في تعليم الناس – وخاصة الشباب – من أهل الحي، أو من الشباب الذين يحضرون المسجد في القرية أو المدينة، بحيث يحضَّر لهذه الدورة التحضير الجيد، وتشحذ الهمم لها قبل البدء بها، ولا بأس أن يكون هناك إعلانات لحضورها، وحث المريد على ذلك، كأن يكتب في الإعلان قوله : الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة6 فإن ذلك يدفع النفس إلى تعلم التجويد ليكون الإنسان في تلك المنزلة الرفيعة.

ومن المتطلبات لهذه الدورة: شيخ مقرئ، فإن لم يوجد فأستاذ في التجويد، وكذلك مكان مناسب وليكن المسجد أو بعض ملحقاته، وكذلك جهاز عرض المعلومات إن أمكن، ويمكن توزيع المقرر في الدورة على الحاضرين إن أمكن، وإلا كفى شرح الشيخ لهم مع كتابة الفوائد.

والمهم في دورات التجويد أن يكون للتطبيق اهتمام كبير عند تناول كل حكم، وإلا أصبحت المعلومات في مهب الريح، لأن التجويد هو علم وعمل في آن واحد، فإن انفصل تطبيق الأحكام عن تعلمها لم يفد ذلك شيئاً.

نسأل الله – تعالى – أن يعين القائمين على الدعوة إلى سبيله، وأن يمنحهم الصبر والإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يفرج همومهم وييسر أمورهم، ويكفَّ عنهم شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.

وصلّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.


1 فتح رب البرية شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد، صـ(3) لصفوت محمود سالم، الطبعة الأولى (1422هـ).

2 الإتقان في علوم القرآن (1 /221) للسيوطي.

3 أخرجه البغوي معالم التنزيل، صـ (249).

4 فتح رب البرية شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد، صـ(48) لصفوت محمود سالم.

5 الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من حديث البراء بن عازب، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1303)، وراجع كلام الشنيقطي في “أضواء البيان” (8 /476).

6 رواه الإمام أحمد (25404) وهو حديث صحيح.