حلق العلم في المسجد

حلق العلم في المسجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

فإن طلب العلم من أجلِّ العبادات، وأفضل القربات، وهو حياة القلوب، ونور الأبصار، به يطاع الله ​​​​​​​  ويعبد، وبه يحمد الرب ويوحد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، فتعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظلمة، والسنان على الأعداء.. وأهل العلم في المنارات العالية قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11) سورة المجادلة.

وفضل العالم على العابد كفضل النبي على أدنى أمته؛ كما خاطب النبي   بذلك أصحابه، ولم يأمر الله نبيه  أن يطلب الزيادة من شيء إلا من العلم فقال: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) سورة طه.

وحلق العلم من أعظم الوسائل الجالبة للعلم؛ ولذا كانت حلق العلم من أعظم السبل المؤدية إلى الجنة، فحري بنا الاهتمام بحلق العلم، وقد وردت أحاديث في فضل حلق العلم عظيمة، لا سيما في المسجد فعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.1

وفي إتيان المساجد لتعلم القرآن قال : أيكم يحب أن يغدو كل يومٍ إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثمٍ ولا قطيعة رحم!، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل2 وهذا دليلٌ عظيمٌ على استحباب إتيان المساجد لحلق العلم. وفي فضل حلق العلم والمذاكرة ما رواه أبو هريرة  قال: قال رسول الله  : إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟، قالوا: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوكقال: فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم3

وحلق العلم هي المسؤولة عن توزيع ميراث النبي  فعن أبي هريرة  أنه خرج إلى السوق بعد موت النبي  فرأى حال الناس فيه وهم يبتاعون ويشترون فنادى في سوق المدينة بأن ميراث رسول الله  يقسم في المسجد وأنتم هاهنا! فلما ذهبوا ولم يجدوا شيئًا رجعوا وأخبروه فقال لهم: وما رأيتم في المسجد؟ قالوا: رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرؤون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد .

فكل ما سبق يبين أهمية تعاهد المساجد والتعلم فيها. فحري بكل مسلم، طالب للعلم، قارئ للقرآن، يبتغي الدار الآخرة، ويرغب في بركة العلم، أن يلتحق بحلقات القرآن في بيوت الله تعالى، وليس معنى هذا أن طلب العلم في غير المسجد ليس له ثمرة، ولا بركة، ولا أجر، لكن عقد الحلق في المسجد أولى وأفضل للعالم والمتعلم، وأعظم بركة من غيره.

هذا وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه مسلم (2699).

2 رواه مسلم (803).

3 رواه البخاري (5929).