تفقد أيتام وأرامل الحي

تفقد أيتام وأرامل الحي

 

 تفقد أيتام وأرامل الحي

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه،،

أما بعد:

فإن من الأنشطة المهمة التي ينبغي أن يقوم بها المسجد في الحي أن يكوّن لجنة لتفقد الأرامل والأيتام في الحي، وأن تقوم هذه اللجنة بمسح ميداني لأهل الحي عبر وسائل لا تشعر الآخرين بذلك، بل تكون تلك اللجنة من خيرة أهل الحي، والهدف من ذلك إيصال المساعدات والمعونات إلى الأرملة المسكينة، واليتيم المعوز من الذين لا يفطن لهم فيتصدق عليهم ولا يقومون فيسألون الناس، بل صفاتهم كما وصف الله في كتابه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} سورة البقرة(273). فمن صفاتهم: أن الناظر فيهم الجاهل بأحوالهم يحسبهم أغنياء؛ لأنهم لم يسألوا أحداً، ولم يشكوا الله إلى أحد، بل يشكون إلى الله وحده، فيسألونه من فضله، ويشكرونه على نعمه، وذلك لتوكلهم على الله وتركهم المسألة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء. ومصداق ذلك ما جاء في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا)1.

 

فمثل هؤلاء لابد من تفقدهم، والبحث عنهم، والسعي في قضاء حوائجهم؛ لأنهم إذا لم يتفقدوا ويسأل عنهم في الدنيا فإننا سنسأل عنهم يوم القيامة: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} سورة الصافات(24). وقد جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين، قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا رب وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين، قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي)2.

وليبشر الساعي بما بشره به النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل والصائم النهار)3. فمن يقدر على صيام النهار وقيام الليل؟!

 

وبقوله صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله)4. فمن تفقد أرملة أو يتيماً أو مسكيناً فدل عليه فإن له من الأجر مثل أجر من بذل ماله وتصدق لذلك اليتم أو لتلك الأرملة لا ينقص من أجره شيئاً.

ولكن ينبغي أن يعلم أن الساعي على الأرملة والمسكين واليتيم، والمتفقد لهم لا ينال هذا الثواب العظيم، والأجر الجزيل إلا إذا كان سعيه في الخير، وكسبه من حلال، وهو لا يريد بعمله رياء ولا سمعة، ولا أن يقال فيه: جواد كريم.

 

أما أنه يكفل الأيتام، ويطعم البائس من الحرام والمتشابه، ولا يبالي بما جمع ولو كان بالنهب والغش والربا، والنصب والاحتيال، والكسب الحرام؛ فإن الله لا يتقبل منه، ولا يجازيه على فعله إلا بما يسوؤه من العذاب الذي أعده الله للظالمين، فقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه). قيل: وما بوائقه؟ قال: (غشمه وظلمه). قال: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يكتسب عبد مالَ حرامٍ فيتصدق فينفق فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله تبارك وتعالى لا يمحو السيىء بالسيىء، ولا يمحو السيىء إلا بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث)5. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه، ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه)6.

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

 

بنـى مسجـداً لله من غير كدّه

 

فكان بعـون الله غير موفَّـقِ

ككافلة الأيتام من كسب فرْجها

 

لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقِ

فعلى السعاة في تفقد الأيتام والأرامل، وإيصال المساعدات إليهم أن يخلصوا لله، سواء كانوا في الجمعيات، أو في غيرها، وأن لا يكون همُّ الواحد الوظيفة أو ما يتلقاه من المؤسسة من راتب، وما إلى ذلك، بل يخلص لله تعالى، وليبشر بالخير، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.


 


1  رواه البخاري ومسلم.

2  رواه مسلم.

3  رواه البخاري ومسلم.

4  رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني: " حسن صحيح".

5  أخرجه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (ج 1 / ص 25): "رواه أحمد، رجال إسناده بعضهم مستور وأكثرهم ثقات" وقال في موضع آخر في المجمع (ج 4 / ص 460): "رواه أحمد ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف". وضعف الألباني الحديث في مجموعة من كتبه.

6  أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيقهي في سننه الكبرى. وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده حسن".