دعوة الجاليات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه ربه رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بعباده أن أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وكانت رسالته -صلى الله عليه وسلم- إلى الثقلين من الإنس والجن، فقام -صلى الله عليه وسلم- بواجبه حق القيام فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه.
والقرآن الذي نزل عليه -صلى الله عليه وسلم- هو رسالته -صلى الله عليه وسلم- وهو لجميع الثقلين، وقد أُمرنا بتبليغه، وحثنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- على ذلك فكان حقاً علينا أن نبلغ دين الله، كل واحد منا على حسب قدرته واستطاعته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بلغوا عني ولو آية)1، فعلينا واجب البلاغ.
ولما كانت بلادنا الإسلامية ولا سيما العربية يفد إليها كثير من أبناء الدول الأخرى، وغالبهم يطول به المقام إلى سنوات عديدة قد تصل إلى العشرات من السنين، ومن هؤلاء الوافدين: المسلمون الذين لا يحسنون التحدث باللغة العربية أو فهمها، وتحس منهم الإقبال على الله تعالى وغيرتهم على الدين الإسلامي، فهؤلاء جميعاً بحاجة إلى من يعلمهم أمور الدين بلغتهم ويبينه له على وجهه الصحيح، فإذا كان منهم عدد مناسب في الحي لهم الرغبة في التعلم والتفقه، كان بالإمكان الاتصال بالجهات المعنية القائمة على هذه الشؤون والطلب منهم إعداد برامج تناسب مستوى هذه الجالية، سواءً للصغار أو الكبار، وباللغة التي يفهمونها، والعمل على تزويدهم بالمصاحف والتفسير والكتب النافعة باللغة التي يعرفونها حتى يتعلموا دينهم ويشعروا أنهم ليسوا منقطعين عن مجتمعهم المسلم، ولا يخفى أثر مشاركتهم في برامج المسجد العلمية والاجتماعية في نفوسهم، وتفاعلهم مع عادتنا الإسلامية، ونتعرف من خلالهم على أحوال إخواننا الذين يعيشون في تلك البلاد.
وبهذه الطريقة يمكن أن يكون ذلك إعداداً لهم لقيامهم بواجب الدعوة حين عودتهم إلى بلادهم، أو بين من يتحدث بلغتهم، ويعيش معهم.
ومما يلاحظ وجود غير المسلمين والذين حضروا إلى البلدان العربية والإسلامية، لطلب الرزق، وقد نلاحظ بين الفينة والأخرى أناساً أعلنوا إسلامهم، ودخلوا في دين الله، وهذه الظاهرة طيبة جداً ويجب أن نهتم بها ونعمل لها، فانتقالهم من الضلالة إلى الهداية، ومن الباطل إلى الحق المبين خير عظيم، وفضل كبير، ونعمة جلية لا يوازيه أي خير أو فضل أو نعمة، ووجودهم بيننا يوجب علينا دعوتهم إلى ديننا الحنيف، وتعليمهم أمور ديننا، ويتطلب منا أن نبين لهم أمور عقيدتنا وشريعتنا، وخطأ ما هم فيه من الضلال، وذلك بالموعظة الحسنة، والسلوك الحسن، وإظهار القدوة والمثل الحسن، وأن نعلمهم محاسن هذا الدين القويم الذي أكرم الله به عباده.
وأما عن الطريقة التي يمكن بها دعوة هؤلاء، فهي بإهدائهم الكتب والأشرطة سواء السمعية أو المرئية المتوفرة بمختلف اللغات، وإيصالهم بالمكاتب المهتمة بالتعريف بديننا الحق، فيبينوا له بالأدلة الناصعة والحجج القاطعة صحة ديننا العظيم وإقامة الحجة عليهم، أو حث من يعرف لغتهم بالتخاطب معهم ودعوتهم إلى الدين الإسلامي، فلعل الله أن يمن عليهم باتباع الحق فيكون لنا من الأجر ما هو خير مما طلعت عليه الشمس، فنحن بإكرام الله لنا بهذا الدين يكون حقاً علينا أن نقدمه لأهل الملل الأخرى بصورة مشوقة ومقبولة نتألف بها قلوبهم.
قصة مؤثرة:
كان بجانب مسجد صغير في أحد الأحياء مشروع سكني كبير بدئ بإنشائه وكان بعض العمال الذين يعملون فيه من المسلمين، لذا كانوا يحضرون للصلاة في هذا المسجد لأداء فريضتي الظهر والعصر من كل يوم، وفي مجالس الحي الدورية تشاور أهل المسجد مع بعضهم في الاهتمام بإخوانهم العمال، فاتفقوا على دعوتهم للغداء يوم الخميس في ساحة المسجد بحيث يحضر كل نفر من جماعة المسجد ما تيسر من الطعام مشاركة في هذا البرنامج وابتغاء للأجر، وبالفعل حضر هؤلاء ومعهم العمال غير المسلمين لتناول الغداء ومع الجو الإيماني والأخوي والاجتماعي وتألف القلوب أصبح هناك وجبة غداء عامة في كل خميس، وسار البرنامج ممتعاً ومفرحاً للجميع، حتى أتى فصل الشتاء ولاحظ أهل المسجد أن العمال ليس لهم ما يقيهم البرد لقلة ذات أيديهم، فجمعوا لهم من المال ما اشتروا به لكل عامل منهم جوارب وبعض الملابس، ولك أن تتصور مقدار بهجة هؤلاء العمال لتحقيق معاني الأخوة بصورة واقعية، كما تأثر بهذا الصنيع العمال غير المسلمين الذين لمسوا بأيديهم شيئاً من مبادئ هذا الدين، فأدى ذلك إلى إشهار إسلام ثلاثين شخصاً منهم، ولله الحمد والمنة2.
اللهم اجلعنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول وقوة إلا بالله.