التجديد في الأنشطة

التجديد في الأنشطة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:

لا يخفى على أحد مكانة المسجد في الإسلام، فهو أحب البقاع إلى الله تعالى، وهو قلعة الإيمان، وحصن الفضيلة، وهو المدرسة الأولى التي يتخرج منها المسلم، هو بيت الأتقياء، ومكان اجتماع المسلمين يومياً، ومحل تشاورهم، وتناصحهم، ومركز مؤتمراتهم، وندواتهم، هو جامعة من أرقى الجامعات تخرج منها خير أمة، وخير جيل عرفته البشرية.

ولقد مر بالأمة حقب من الزمن أهمل فيه دور المسجد، وغيبت رسالته، ولم يعد إلا لمجرد أداء صلاة ميتة بلا روح، أو الاحتفال بمولد بدعي، أو لبعض كبار السن يقرؤون فيه القرآن ولا يفهمونه، أو وسيلة للتكسب والترزق لبعض الناس وما أشبه ذلك.

ثم جاء دور الصحوة الإسلامية اليوم، وبدأ نور يشع من هنا وهناك، وهتاف بعيد يدوي: أعيدوا للمساجد مكانتها، وأعيدوا لها رسالتها، وما هي إلا سنين معدودة، وإذا بالمسجد – بفضل الله تعالى، ثم بفضل جهود العلماء العاملين القائمين على هذه الصحوة المباركة – تعاد له مكانته، ويرجع مرة أخرى ليقوم بدوره ورسالته، نوراً يشع بالهدى والخير والصلاح فأقيمت الصلاة، ووجدت مدارس تعليم القرآن الكريم، وأقيمت الدروس العلمية، وأنشئت المكتبات المختلفة المقروءة، والسمعية، والمرئية.

وأصبح المسجد منطلقاً لتزاور أهل الخير وتفقدهم، فعلم الجاهل، ونبه الغافل، وأيقظ النائم، بفضل الله – تبارك وتعالى -، وأقيمت الأنشطة في كثير من المساجد، وكان لها دورها المتميز في إنعاش المسجد، وأهل المسجد، ولا يُغفل أحد دور الأنشطة في المسجد أو يقلل من أهميتها، فالأنشطة لها الأثر الملموس في تحبيب كثير من الناس إلى المساجد، وهي تذهب روح السآمة والملل التي قد تعتري بعض الناس، وهي كاسمها نشاط فهي عكس الكسل والخمول، ومن خلالها تتحقق أهداف كثيرة للتربية الإسلامية من تعميق الإيمان بالله تعالى، وتعميق الأخوة في الله لأبناء المسجد الواحد، وإيجاد الترابط والألفة والمودة بينهم.

فكم من شارد عاد إلى المسجد بسبب ذلك النشاط، وكم من جاهل تعلم بسبب ذلك النشاط، وأعني بالأنشطة: تلك الأنشطة العلمية، والدعوية، والتربوية، والاجتماعية، والثقافية، والرياضية الموجودة في المسجد.

فالأنشطة العلمية: كإقامة الدروس، والمحاضرات، والندوات، وإلقاء الكلمات، ووجود المكتبات المختلفة.

والـدعويـة: كالقوافل الدعوية، ودعوة أهل الحي عبر الشريط، والمطوية، والرسالة، والزيارة، ودعوة أصحاب المحلات التجارية المحيطة بالمسجد.

وكذلك توزيع المظاريف الدعوية الأسرية، والأنشطة الثـقافيـة: كإصدار المجلة الحائطية في المسجد، وإصدار المطويات التي تعالج وضع أهل المسجد والحي، وبعض الانحرافات العقدية والسلوكية، وإصدار المسابقات الثقافية، وكذلك إقامة الأمسيات الشعرية، والسمرات الثقافية، ويراعى أن لا تكون في المسجد بل في مكان آخر كالتحفيظ مثلاً، وإنما ينسق لها من قبل العاملين في المسجد.

والأنشطة الاجتماعية: كالرحلات التربوية، والطلعات الهادفة، والزيارات الميدانية لأهل الحي لدعوتهم، أو تفقد مريضهم، أو زيارة المقابر وأخذ العظة والعبرة من ذلك، وكذلك إقامة الصيام الجماعي لأهل المسجد، والاعتكاف الشهري، أو السنوي، والمبيتات، ومرافقة ذلك برامج دعوية وتربوية.

والأنشطة الاجتماعية: عبر تفقد فقراء أهل الحي، والأرامل، والمستحقين، وإنشاء حلقة وصل بين أغنياء الحي وفقراءهم، فتتم مواساتهم بالقليل والكثير، وغير ذلك من الأنشطة الاجتماعية.

والأنشطة الرياضية: كإقامة مباريات لعب كرة القدم، والطائرة؛ في ميادين في الحي، ويتم ترتيب ذلك بحيث يدير ذلك النشاط الرياضي بالمسجد، ويصاحب الأنشطة الرياضية أنشطة أخرى دعوية وثقافية.

وبهذا يدخل الشاب المسجد فيجد حفظ القرآن الكريم، وتعلم العلم الشرعي، ويلقى حظاً من التربية الإيمانية والجسدية، ويشعر بزيارته للمحتاجين وتفقدهم، ويشعر أن قول النبي : مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ كمثل الجسد الواحد1 قد تحقق.

وبذلك يعود للمسجد دوره، ومكانته – بإذن الله تعالى -.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.


1– أخرجه البخاري بلفظ (ترى المؤمنين).