رمضان فرصة للصلة

رمضان فرصة للصلة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله – تعالى – قد أوجب علينا أموراً نقوم بها، وحرَّم علينا أشياء لنجتنبها، ومما أوجب الله علينا القيام به: صلة الأرحام، لذلك كانت الصلة أولية من أوليات دعوة النبي ؛ فقد جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم أنَّ هرقل قال لأبي سفيان: بماذا يأمركم؟ فأجاب أبو سفيان بقوله: يأمرنا – يعني النبي – بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة1.

وهي مما حث عليه الشرع الحنيف، ورغَّب فيه فقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ2.

وقد عدَّ الله صلة الرحم من الحقوق العشرة التي أمر الله بها أن توصل، وذلك في قوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى 3. وقد توعد من مكنه في الأرض، ثم بعد ذلك أفسد فيها، وقطع الرحم؛ بأن يكون ممن لعنهم الله، وأصمهم، وأعمى أبصارهم قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ 4.

فصلة الرحم واجبة، وقطيعتها محرمة، بل قطيعتها كبيرة من كبائر الذنوب لما سبق من الأدلة؛ ولأن النبي  أخبر أنه لن يدخل الجنة قاطع؛ فقد جاء في الحديث: لا يدخل الجنة قاطع5 قال القرطبي – رحمه الله -: “اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة، وأن قطيعتها محرمة”6.

وأولى الناس بالصلة: الوالدين؛ فعن أبي هريرة  قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك7.

ثم بعد الوالدين بقية الأقارب والأرحام قال النووي – رحمه الله -: “قال أصحابنا يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب، ثم الأولاد، ثم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والإخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما، ثم بذي الرحم غير المحرم؛ كابن العم، وبنته، وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم، ثم بالمصاهرة، ثم بالمولى من أعلى وأسفل، ثم الجار، ويقدم القريب البعيد الدار على الجار، وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الأجنبي، وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم”8.

وصلة الرحم تكون ببذل الندى، وكف الأذى، وتكون بالقول والفعل، بل تكون بحسب القدرة والاستطاعة ولو بالكلمة الطيبة، ولو بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان وما أشبه ذلك.

وبما أننا في شهر الطاعات والقربات فإنه يجب على كل من كان قاطعاً لرحمه أن يصلها، ويحرم عليه أن يستمر في قطيعتها.

بل ندعو أئمة المساجد، وكافة المرشدين والوعاظ إلى دعوة الناس إلى هذا الأمر، وأن يكونوا قدوة للناس في ذلك.

نسأل الله أن يتقبل منا صلاتنا، وصيامنا، وقيامنا، وصالح أعمالنا، وأقوالنا، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا.


1 رواه البخاري ومسلم. 2 سورة الرعد (21). 3 سورة النساء (36). 4 سورة محمد (22-23). 5 رواه البخاري ومسلم. 6 الجامع لأحكام القرآن (5/5). 7 رواه مسلم. 8 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (16 /102-103). الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الثانية (1392هـ).