زيارة مريض

زيارة مريض

 

زيارة مريض

 

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، سبحانه له الكمال المطق في كل شي، وأصلي وأسلم على خير خلقه وصفوة رسله، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، الذي حث على مكارم الأخلاق، وأمرنا بأفضل الأعمال، ونهانا على سوء القول والعمل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فمن آداب المسلم عيادة المريض، وتفقد حاله، وذلك تطييباً لنفسه ووفاءً بحقه، وقد حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على عيادة المريص؛ فقد روى البخاري عن أبي موسى أن النبي ­- صلى الله عليه وسلم – قال: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني)1، وروى مسلم: (حق المسلم على المسلم ست)، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا ستنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)2.

 

وأما فضل عيادة المريض فقد بينها النبي -صلى الله عليه سلم-، فقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من عاد مريضاً نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)3.

 

وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عُدته لو جدتني عنده!)4.

 

وعن ثوبان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) قيل: يا رسول الله! ما خرفة الجنة؟ قال: (جناها)5.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة)6.

 

فمن هذه النصوص النبوية التي سبقت يتضح لنا ما لعيادة المريض من أهمية، وما للقائم بها من الأجر العظيم، فينبغي على المسلم أن يعنى بها وأن لا يتكاسل عنها، فإذا علم بأخ له مريض فليسارع في عيادته، وتفقد حاله، وإخبار أصحابه بما حصل لأخيه، حتى يقوموا بزيارته، والدعاء له.

 

ولما كان أهل الحي الواحد، كالأسرة الواحدة يعرف بعضهم بعضاً في الغالب، فينبغي عليهم إذا مرض أحدهم أن يزوروه، ويتفقدوا أحواله، ويعينوه على ما يحتاج. فبهذه الزيارة يدخل الفرح إلى قلوب المرضى، ويتنفس عنهم ما يجدون من الهم والغم، ويعلمون أن لهم إخواناً يواسونهم ويعينونهم على ما يحتاجون، وكذلك يعرف المسلم عظمة هذا الدين، وما حث عليه، وأنه ما من خير إلا ودلهم عليه، وما من شر إلا وحذرهم منه.

 

وبما أن أصحاب الحي كثير ويتعذر زيارتهم في وقت واحد، إما لمشاغلهم أو لكثرتهم، أو لظروف أخرى، فينبغي الترتيب لهذه الزيارة، بحيث تؤدي الغرض على أكمل وجه، وذلك من خلال الترتيب فيما بينهم في كيفية الزيارة، وعدد الزائرين والتنسيق مع أهل المريض، وتقديم بعض الهدايا، حتى تكون زيارة موفقة، وتؤدي الغرض، ويحصل بها النفع.

ويستحب للزائرين أن يدعو للمريض بالشفاء والعافية، وأن يوصوه بالصبر والاحتمال، وأن يقولوا له الكلمات الطيبة التي تطيب نفسه، وتقوي روحه، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل على من يعود قال: (لا بأس طهور إن شاء الله)7 ويستحب تخفيف العيادة وتقليلها ما أمكن، حتى لا يثقل على المريض؛ إلا إذا رغب في ذلك.

نسأل الله أن يعافينا ويعفو عنا، ونسأله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وصلى الله وسلم على النبي الكريم، والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 صحيح البخاري رقم (5058).

2 صحيح مسلم رقم (1704).

3 رواه الترمذي وابن ماجه واللفظ له، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (1184).

4 صحيح مسلم رقم (2569).

5 صحيح مسلم رقم (2568).

6 رواه الترمذي، وقال حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5767).

7 رواه البخاري رقم الحديث (3420).