محـاربة الفسـاد
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فإن الله قد حذرنا من الفساد في الأرض،فقال:{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}الأعراف: 56، والفساد عاقبته وخيمة ليست على الفرد المفسد أو على المفسدين وحدهم،بل قد تعم المجتمع جميعاً ولا يسلم أحد من العقوبة النازلة،يقول الله- تعالى-:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الأنفال: 25، وعن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استيقظ من نومه، وهو يقول: " لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها،قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث""1".
وإذا انتشرت المنكرات وفشت في الناس، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر؛ فإن المجتمع معرض لعقوبة تحل به، جزاء ما عملوا ولا يظلم ربك أحداً.
فالسكوت عن المنكر عاقبته وخيمة، فقد يتعرض الجميع لعقوبة جماعية، لذا فمحاربة الفساد والتصدي له واجب على الجميع، فكل فرد على حسب استطاعته وقدرته، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه،وذلك أضعف الإيمان ""2".
إن المنكرات المنتشرة في كل حي كثيرة،فما على الغيورين على دينهم إلا إزالتها بالوسائل المشروعة، التي تؤدي نتائجها المطلوبة، فليبادر كل مسلم إلى التغيير، وإلى دفع تلك المفاسد حتى يتخلص المجتمع من المنكرات، التي تؤدي إلى هلاكه، وزواله، وتعرضه للنكبات والعقوبات الإلهية.
وما أجمل المجتمع عندما يكون نقياً من المنكرات التي تعكر صفوه، وتخلخل توازنه، فليتق الله المسلمون، وليؤدوا ما هو واجب عليهم من النصيحة،حتى يصلح المجتمع، ويسعد بالخير والأمن والاستقرار.
ومن صور محاربة الفساد التي يمكن أن يقوم بها مجلس أهل الحي ما يلي:
1- مراقبة مواخير الإفساد في الحي وإغلاقها عند ثبوت أدلة إدانتها، مثل:
· مراقبة البيوت المشتبه في تروجها للدعارة.
· البيوت التي يشتبه في قيام أصحابها بصنع الخمر وبيعه.
· محلات ألعاب الأطفال التي تنشأ لاصطيادهم والإساءة إليهم، مثل محلات ألعاب الكمبيوتر وألعاب الأتاري والجيم والبلياردو وغيرها فإن كثير من هذه المحلات تنشأ لاصطياد الأطفال، لا المتاجرة والربح.ولا يعني هذا أن كل محل نشاطه التجاري ألعاب الأطفال يجب أن يكون محل فساد وإفساد، ولكن الكثير من هذه المحلات تستغل من ضعاف النفوس وواجب أهل الحي التنبه والحذر ، لا النوم على الآذان.
· محلات إصلاح وتأجير الدرجات الهوائية للأطفال، فإنها كذلك يمكن أن تستغل أو تكون محلات إفساد وتدمير للأطفال لا محلات إصلاح.
وعندما نقول المراقبة والتنبه، لا يعني هذا أن يؤخذ الناس بالظن والتشكك ويجعل الأصل فيهم الريبة وعدم الثقة، فهذا مما يتنافى مع أصول الإسلام، فالأصل في الناس السلامة، والبراءة وإحسان الظن بهم والتعامل على خلاف ذلك يوقع المجتمع في حرج وضنك كبير، ويظل المؤمن كذلك كيساً فطناً، مدركاً لما يجري من حوله.
· القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح في الله، لبعض أصحاب المهن التي هي من المشتبه فيه في أقل الأحوال ونعني بذلك محلات بيع الأغاني وأشرطة الأفلام السينمائية، والأطباق الفضائية، والملابس الفاضحة، وهذه وإن كان الأمر فيها واضح الحرمة في نظر كل عاقل فضلاً عن العالم، إلا أنه لابد من الأمر بالمعروف ولو من باب: ومن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينه وعرضه.
· مناصحة أهل المعاصي والذين قد أسرفوا على أنفسهم، وتقريبهم إلى الله وتحبيهم في الطاعة، فالمؤمنون نصحة، وينصر بعضهم بعضاً ظالماً ومظلوماً، ومن صور التناصح التي يمكن أن يقوم بها الدعاة والفضلاء أو الوجهاء من أهل الحي زيارة السجون والإصلاحيات ونحوها، بغرض التوجيه والإرشاد.
وصور المحاربة كثيرة جداً وإنما هذه بعض الصور التي يمكن لمجلس أهل الحي أن يحارب الفساد من خلالها نسأل الله أن يوفقنا للخير، وأن يعيننا عليه،وأن يخلص مجتمعاتنا من المنكرات،ما ظهر منها وما بطن،والحمد لله رب العالمين.