الاحتلام في المسجد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً، ونسأل الله تعالى أن يغفر لنا الخطأ والزلل، ويوفقنا للصواب في كل قول وعمل.. أما بعد:
فإن مسألة الاحتلام في المسجد تابعة لمسألة النوم في المسجد، ومذهب الجمهور من أهل العلم جواز النوم في المسجد. قال الحافظ ابن حجر: "وقد سئل سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم في المسجد؟ فقالا: كيف تسألون عنه وقد كان أهل الصفة ينامون فيه، وهم قوم كان مسكنهم المسجد؟ واعلم: أن النوم في المسجد على قسمين:
أحدهما: أن يكون لحاجة عارضة مثل نوم المعتكف فيه والمريض والمسافر، ومن تدركه القائلة ونحو ذلك، فهذا يجوز عند جمهور العلماء، ومنهم من حكاه إجماعاً، ورخص في النوم في المسجد: ابن المسيب، وسليمان بن يسار، والحسن، وعطاء، وقال: ينام فيه وإن احتلم كذا وكذا مرة. وقال عمرو بن دينار: كنا نبيت في المسجد على عهد ابن الزبير.
وممن روي عنه أنه كان يقيل في المسجد: عمر وعثمان -رضي الله عنهما-… والقسم الثاني: أن يتخذ مقيلاً ومبيتاً على الدوام: فكرهه ابن عباس، وقال مرة: إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس. وهذا القسم -أيضاً- على نوعين: أحدهما: أن يكون لحاجة كالغريب، ومن لا يجد مسكناً لفقره، فهذا هو الذي وردت فيه الرخصة لأهل الصفة والوفود، والمرأة السوداء، ونحوهم…"1.
وعلى هذا فمن نام في المسجد واحتلم فيه فليس عليه شيء من الإثم، وكذا ما لو كان معتكفاً، قال في بدائع الصنائع: "ولو احتلم المعتكف؛ لا يفسد اعتكافه؛ لأنه لا صنع له فيه فلم يكن جماعاً، ولا في معنى الجماع، ثم إن أمكنه الاغتسال في المسجد من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به، وإلا فيخرج فيغتسل، ويعود إلى المسجد"2.
وقد بوب البخاري -رحمه الله-: (باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم) وذكر حديث أبي هريرة قال: "أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا: (مكانكم) ثم رجع، فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر، فصلينا معه"3. ويقاس عليه من احتلم في المسجد.
وإن قال البعض أنه خاص بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فدعوة الخصوصية ضعيف. وممن قال بالخصوصية النووي. قال في البحر الرائق:"قد علم أن دخوله -صلى الله عليه وسلم- المسجد جنباً ومكثه فيه من خواصه، وذكره النووي وقواه"4.
فإن لم يتمكن من الخروج لخوف على نفسه أو ماله، أو أغلق عليه الباب، يتيمم ويمكث فيه للضرورة، إلى أن يمكنه الخروج، ولا يصلي ولا يقرأ.
فإن زال العذر خرج مسرعاً من أقرب طريق، قال النووي رحمه الله: "ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب فالأولى أن يخرج منه فإن عدل إلى آخر لغرض -بأن كانت داره في تلك الجهة ونحو ذلك- لم يكره وإن لم يكن غرض لم يكره على الأصح والله أعلم"5
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول هذا الموضوع ونص السؤال:
س: ما هو حكم الذي يضع رجليه ويوجهها إلى القبلة في المسجد، هل يجوز الأكل والنوم في المسجد؟
فأجابت: "لا حرج على المسلم أن يمد رجليه أو رجله إلى القبلة، سواء كان بالمسجد أم في غيره، ولا حرج عليه أن يأكل بالمسجد أو ينام به إذا احتاج إلى ذلك، وينبغي له أن يحافظ على نظافة المسجد، وإذا احتلم وهو نائم به أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة"6.
هذا ما تيسر جمعه في هذه المسألة، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.