حكم نقل مال المسجد

حكم نقل مال المسجد

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:

سنتحدث في هذا الدرس -إن شاء الله تعالى- عن حكم نقل مال مسجد إلى مسجد آخر (سواء كان نقداً، أو أثاثاً) فنقول: إن الأثاث الموقوفة على مسجد معين من (فرش ومنبر وأجهزة وأدوات ومكانس ودواليب ومصاحف وغيرها)  الأصل عدم التصرف فيها، ولا بيعها، ولا إعارتها، ولا هبتها، ولا استخدامها في أغراض خاصة، ولا نقلها إلى غير ما عينه الواقف. لأنها وقفاً مخصوصاً على مسجد معين، لا يجوز الانتفاع به في غير ذلك الوقف. إلا إذا تعطلت مصالحها في المسجد المعين كأن يكون هذا المسجد قد أكتفى منها وأصبح غير محتاج إليها، جاز نقلها في مثله، أو فيما يقوم مقامه؛ على أن يكون ذلك بواسطة ناظر الوقف.

وقد سئل الشيخ بن باز -رحمه الله- عن حكم نقل مال مسجد لآخر، ونص السؤال:

“يوجد مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية جُمع له مال وبني، وبقي من المال كثير، ويوجد في منطقة أخرى مسجد وحوله جالية إسلامية كبيرة، ويتطلب بناء مكتبة ومدرسة وبعض الملاحق، ويريد بعض القائمين عليه أخذ شيء من المال الموجود عند القائمين على المسجد الأول، ويمانع أصحاب المسجد الأول؛ بحجة أن المال للمسجد الأول، ويقولون: إذا أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز في جواز نقل المال من ذاك إلى هذا، فلا مانع لدينا من ذلك. نرجو الإفادة عن ذلك؟

فأجاب فضيلته بقوله: ” إذا كان المسجد الأول الذي جمع له المال قد كمل واستغني عن المال، فإن الفاضل من المال يصرف لتعمير مساجد أخرى، مع ما يضاف إليها من مكتبات ودورات مياه ونحو ذلك -كما نص على ذلك أهل العلم في كتاب الوقف-؛ ولأنه من جنس المسجد الذي تُبرع له، ومعلوم أن المتبرعين إنما قصدوا المساهمة في تعمير بيت من بيوت الله، فما فضل عنه يصرف في مثله، فإن لم يوجد مسجد محتاج، صرف الفاضل في المصالح العامة للمسلمين، كالمساجد والأربطة والصدقات على الفقراء، ونحو ذلك، والله ولي التوفيق1.

وسئل فضيلته عن حكم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد إذا دعت الحاجة، ونص السؤال: “وجدنا في يوم من الأيام صاحب أحد المساجد الصغيرة يحمل سبعة مصاحف مطبوعة من (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) وبعضها مطبوع على نفقة أحد المحسنين، وهي تابعة للأوقاف، وعندما سألناه عنها قال: إنه يريد فعل الخير، وذلك بنقل تلك المصاحف إلى مسجد كبير في مدينة أخرى؛ لعدم وجود مصاحف فيه، ولكثرة المصلين فيه، فما حكم هذا العمل يا سماحة الشيخ؟

فأجاب: ” إذا كان المسجد الصغير مستغنياً عن بعض المصاحف التي فيه، فلا بأس بنقل مالا تدعو الحاجة إليه في ذلك المسجد إلى مسجد آخر محتاج إلى ذلك، إذ المقصود من ذلك انتفاع المصلين بهذه المصاحف، والأحوط استئذان الإمام في ذلك؛ لأنه أعلم بحاجة المسجد. والله الموفق”2.

بل المسجد نفسه إذا أصبح غير منتفع به، ولا يوجد من يصلي فيه، نص الفقهاء عل أنه يجوز بيعه، ونقله إلى مكان ينتفع به، ويصلى فيه، فمن باب أولى بعض أثاثه وممتلكاته، إذا لم يعد ينتفع بها في نفس المسجد، نقلت إلى مسجد آخر.

قال الدكتور سعد بن تركي الخثلان: “لأن هذا هو الذي يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية، وهكذا أيضاً ما في المسجد من الأثاث من الفرش، مثلاً من المصاحف القديمة أو من الأجهزة التي لا ينتفع بها في هذا المسجد تنقل إلى مسجد آخر إذا تيسر، إذا لم يمكن نقلها لمسجد آخر تباع ويجعل ثمنها في المسجد، وهذا قد نص عليه الفقهاء، وهنا المؤلف ذكر هذا فيما يتعلق بالفرس قال: “إن الفرس إذا كان موقوفاً في سبيل الله ولم ينتفع به يباع ويشترى به ما يصلح للجهاد” هكذا أيضاً نقول في أثاث المسجد، الأجهزة، فرش، المصاحف، تنقل لمسجد آخر  لا تباع، تنقل لمسجد آخر لينتفع بها، لكن كلام في الأجهزة مثلاً، وفي الفرش ومكبرات الصوت ونحو ذلك لا ينتفع بها في المسجد … إلى أن قال: “وإذا توقفت منفعتها مثلاً في المسجد أو توقفت منفعتها في مكان الجهاد أو غيرها استطعنا أن ننقل هذه المنفعة إلى مكان آخر لكن من جنسها، فإذا كان مثلاً فرس في الجهاد ينقل إلى الجهاد، وإذا كان في المسجد ينقل لمسجد آخر …  نعم المهم أنه يكون من جنسه، يكون في نفس الموضوع الموقوف عليه، وعليه نقول: إن أثاث المسجد القديم الذي لم يعد ينتفع به، إما أن ينقل لمسجد آخر لأناس ينتفعون به إذا تيسر، إذا لم يتيسر فإنه يباع ويصرف في مصلحة المسجد”3.

وقال:” … لكن إذا لم تتعطل منافع الوقف بالكلية، ولكن كان في نقله مصلحة هل يجوز نقله؟ كان في نقله مصلحة يعني مثلاً عقار في حي من الأحياء، يؤجر هذا العقار، لكنه لو نقل إلى حي آخر لكان أصلح له، تزيد أجرته، فهل يجوز لك؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين، والقول الصحيح: هو أنه يجوز نقله في هذه الحال، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم، واستدل لذلك بما جاء في سنن أبي داود بسند صحيح: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال يا رسول الله: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (صل ها هنا) فأعاد عليه، قال: (صل هاهنا) فأعاد عليه قال: (صل هاهنا) قال: فأعاد عليه قال: (شأنك إذن).4 ودل هذا على أنه لا بأس أن ينتقل الإنسان في النذر من المفضول إلى ما هو أفضل؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى، وهذا الرجل قد نذر نذراً أن يصلي لله ركعتين في بيت المقدس إن فتح الله علي النبي ‏-صلى الله عليه وسلم-‏ مكة، ونقله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى ما هو الأفضل قال: (صل ها هنا) يعني في المسجد الحرام، وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، والوقف شبيه بالنذر إن جاز هذا في النذر جاز في الوقف، فإنه في الوقف أولى، فإذا كان في نقل الوقف مصلحة إلى ما هو أصلح منه يجوز نقله. لكن لابد أن يكون ذلك صادراً ممن له الولاية على الوقف من جهة الواقف، أو من جهة الحاكم حتى لا يتصرف الإنسان أو يتعجل في تصرف نقله، ولم تظهر فيه المصلحة الراجحة”5.

وقد أفتى سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- في مسألة نقل المسجد إذا تعطلت منفعته-فالمال المتعلق به من باب أولى- وكان نص الجواب: “الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد ورد إلي سؤال مضمونه: أن جماعة من المسلمين القاطنين في جنوب أفريقيا قد بنوا مسجداً في حيهم، يصلون فيه الجمعة والجماعة والعيد، وقد أمرتهم حكومتهم بإخلاء ذلك الحي من السكان المسلمين وإبعادهم إلى جهة أخرى. فهل يجوز بيع المسجد المذكور بواسطة القاضي أو المتولي عليه، وعمارة مسجد آخر في الحي الجديد الذي يسكنون فيه؟ وهل يباع بشكله مسجداً، أو يغير فيه كرفع المحراب والمنبر والمئذنة، وكل شيء يدل على كونه مسجداً، أو يهدم ويباع أرضاً بيضاء، مع العلم أنه في هذه الحالة تنقص قيمته كثيراً، بل لا يساوي شيئاً؟ الجواب: لا ريب أن المسجد المذكور سوف تتعطل مصلحته إذا ارتحل المسلمون عن الحي الذي هو فيه، وإذا تعطلت منفعة الوقف -سواء كان مسجداً أو غيره- جاز بيعه -في أصح أقوال العلماء- وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه، مماثل للوقف الأول -حيث أمكن ذلك-. وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه– أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر لمصلحة اقتضت ذلك. فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء، ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأمرت بحفظ الأموال ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقائه من إضاعة المال. فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله، إلا أن يكون بيع بعضه يكفي لإصلاحه، فإنه يباع بعضه، ويصرف ثمنه في إصلاح الباقي، أما هذه الصورة المسئول عنها، فلا يمكن حصول المنفعة إلا ببيع الجميع، فيباع المسجد كله على حاله من دون نقص، ويصرف ثمنه في عمارة المسجد الجديد في الحي الذي تحول إليه المسلمون، وإذا بيع زال عنه حكم المسجد، وصار كسائر البقاع، يجوز اتخاذه مزرعة وحوانيت ونحو ذلك، وانتقل حكم المسجد إلى المسجد الجديد. وأما إزالة ما يدل على أنه مسجد بعد العزم على بيعه كالمئذنة ونحوها، فلم أقف فيه على كلام لأحد من أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أن إزالة ذلك أولى، ولا سيما إذا كان بين الكفرة؛ لأنهم قد يقصدون إغاظة المسلمين بامتهانه؛ نظراً إلى أنه كان مسجداً، وإن كان حكمه قد زال، ولكنهم لا ينظرون إلى الأحكام، ولكنهم ينظرون إلى الصورة الظاهرة، فإذا أزيلت أمارات المسجد البارزة، كالمئذنة والمحراب، زال هذا المحذور. والله سبحانه وتعالى أعلم”6. وخلاصة كلام العلماء في هذه المسألة أنه يجوز نقل مال مسجد –سواء كان هذا المال نقداً أو أثاثاً- إلى مسجد آخر ولكن بشروط وهي: 1-  أن يكون المسجد غير محتاج لمـاله حالاً، أو في المستقبل المنتظر، ولم يتيسّر حفظ هذا المال أو ادّخاره إلى وقت الاِحتياج إليه، ففي هذه الحالة يصرف فيما هو الأقرب إلى قصد الواقف، من نقله إلى مسجد آخر، أو ترميمه.‏ 2- أن يكون ذلك في نظر صاحب المسجد أو ناظر الوقف، لا لكل أحد، إذ لابد أن يكون صادراً ممن له النظارة على الوقف، من جهة الواقف، أو من جهة ولي الأمر، حتى لا يتصرف الناس أو يُتعجل في النقل، ولم تظهر في هذا النقل المصلحة الراجحة.

3- أن ينقل إلى شيء من جنسه لأن هذا أقرب إلى قصد الواقف. فالمال الموقوف على مسجد لمسجد، والموقوف على الجهاد للجهاد، وهكذا.

4- أن يكون ذلك بعلم صاحب الوقف إن وجد. فإن لم يوجد وكل أمره إلى ناظر الوقف أو ولي الأمر.

هذا ما تيسر ذكره في هذه المسألة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 


1:   ونشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ / محمد المسند ج3، ص: 24. www.islammessage.com/islamww/alfatwa.php?id=1136&PHPSESSID=6b8ab0ab863a0e7961c0

2وهو في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد العشرون. من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية)، وأجاب عنه سماحته بتاريخ 12/10/1414هـ. http://www.imambinbaz.org/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=2806#_ftnref11

3– المؤلف: فضيلة الشيخ :د/ سعد بن تركي الخثلان الوصف: الدروس المفرغة لمادة الفقة – المستوى الخامس  شرح ( باب أحكام الدين ) من عمدة الأحكام

http://www.islamacademy.net/library/bviewer_content.asp?fid=1667&id=5214

4– سنن أبي داود – (ج 9 / ص 131 – 2875)  وصححه الألباني: في الإرواء ( 2597 )

5–  شرح ( باب أحكام الدين ) من عمدة الأحكام  لفضيلة الشيخ : د/ سعد بن تركي الخثلان

http://www.islamacademy.net/library/bviewer_content.asp?fid=1667&id=5214

6– موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=2803