مهارة لغة العيون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
أخي الكريم:
أحيانًا ترى أشخاصاً تحبهم بعد طول غياب، فترى في أعينهم فرحة اللقاء، وكما يقال: "عيناه ترقص من الفرحة"، وأحياناً أخرى تقابل أشخاصاً يحاولون مجاملتك بابتسامة صفراء، لكنَّ أعينهم تفضحهم وتبدي ما يخفون؛ فالعين مرآة الروح، كما يقول المثل الأجنبي القديم: بعض الأصدقاء لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم شفاهةً، لكن ذوي المشاعر المرهفة يفهمونهم من أعينهم.
والآن أيُّها الداعية:
أين تكون نظرات عينيك وأنت تخاطب الناس؟ وكيف يكون وقعها عليهم؟ أرِنا ماذا يمكن أن تفعله عين المؤمن.
إنَّ بإمكانك أن تقنع مستمعيك بعينيك كما تقنعهم بكلماتك، وأن تريهم في عينيك مدى اقتناعك بفكرتك، وبعينيك أيضًا يمكنك أن تقيس درجة انتباه مستمعيك، وتلحظ تركيزهم من أعينهم.
في غزوة تبوك، تخلَّف كعب بن مالك وصاحباه -رضي الله عنهم- وبالرغم من تنفيذ العقاب والتعزير للثلاثة الذين خلفوا، فإنَّ كعب بن مالك يحكي ويقول: "وأمَّا أنا فقد كنت أشد القوم وأجلدهم -أي الثلاثة الذين تخلَّفوا عن الغزوة- فكنت أخرج وأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه فأُسَلِّم عليه، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أجلس قريباً منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني"1.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- استخدم لغة العيون حتى مع المعاقَبين.
إنَّها لغة الحب والعتاب في وقتٍ واحد, والسؤال هو: كيف يمكنك استخدام عينيك بفاعلية أمام مستمعيك؟
أولاً: اعرف جيداً ما الذي ستقوله، حتى لا تصرف جهدك الذهني إلى تذكر ترتيب الأفكار والكلمات، وذلك يحتم عليك التحضير الجيد والتدريب الكافي.
ثانياً: ابْنِ مَمَرًّا بصريًّا متصلاً بينك وبين المستمعين، وتذكَّر أنَّه مهما كبر عدد المستمعين، فإنَّ كل مستمع منهم يريد أن يشعر أنَّك تكلِّمه هو شخصيّاً, وتستطيع أن تحقق ذلك بالطريقة البسيطة التالية:
أثناء حديثك اختر شخصاً معيناً وانظر في عينيه حتى تبني بينك وبينه خط اتصال بصري من خمس إلى عشر ثوان, أي ما يوازي جملة واحدة تقريباً, ثم انقل بصرك إلى شخصٍ غيره؛ وهذا شيء سهل حدوثه نسبيّاً بالنسبة للأعداد الصغيرة، أمَّا إذا كنت تتحدَّث إلى مئاتٍ أو آلاف، فهذا أمرٌ مستحيل بالطبع، وفي هذه الحالة اختر فرداً أو فردين من كل قطاع، وابنِ جسراً بصريّاً بينهما، وبالتالي سيشعر كل فرد أنَّك تكلمه هو مباشرة.
ثالثاً: لاحظ رجع الصدى البصري، فأثناء حديثك يستجيب لك مستمعوك برسائلهم غير اللفظية الخاصة، فيجب أن تكون عيناك نشيطتين حتى تلتقط هذه الرسائل، وتعرف ما التصرف الذي سيُبنَى على هذا الأساس, فإن كان رد فعلهم إيجابيّاً فما عليك إلاَّ أن تستمر فيما أنت عليه، ولتبشر بنجاحك، ولتحاول توطيد صلتك بمن استجابوا لك بصريّاً، بأن تخصهم بابتسامة خاصة ونظرات أعمق, أمَّا إن كانت ردود أفعالهم سلبية، فلتنظر ما السبب في ذلك؟ فإن كان سبباً خارجاً عن إرادتك فحسبُك الله.
أمَّا إن كان السبب منك، فلتحاول أن تغيِّر من نبرات صوتك، أو تضيف بعض المرح والدعابة إلى حديثك، أو بعض القصص والأشعار، ولتراقب الأعين، وأي الموضوعات كان أشدهم جذباً لانتباههم, وإن كان في مظهرك شيء يشتت انتباههم، فلتحاول إصلاحه إن أمكن ذلك.
إنَّ لغة العيون لغة موحَّدة يفهمها كل الناس مهما كانت أوطانهم وأجناسهم وألسنتهم، فلنحرص على تعلمه2.
ولقد صدق ابن الأعرابي في قوله:
العين تبدي الذي في نفس صاحبها ** مـن الشَّـناءة، أو وُدٍّ إذا كانا
إن البغيـض له عـين يصـد بها ** لا يستطيع لما في الصدر كتمانا
العـين تنطق والأفـواه سـاكنة ** حتى ترى من ضميرِ القلب تِبيان3
التعبير الأمثل بالعيون:
إذا أردت إيصال مرادك بعينيك فاحرص على الأمور الآتية:
· أن تكون عيناك مرتاحتين أثناء الكلام مما يشعر الآخر بالاطمئنان إليك والثقة في سلامة موقفك وصحة أفكارك.
· تحدث إليه ورأسك مرتفع إلى الأعلى، لأن طأطأة الرأس أثناء الحديث، يشعر بالهزيمة والضعف والخور.
· لا تنظر بعيداً عن المتحدث أو تثبت نظرك في السماء أو الأرض أثناء الحديث؛ لأن ذلك يشعر باللامبالاة بمن تتحدث معه أو بعدم الاهتمام بالموضوع الذي تتحدث فيه.
· لا تطيل التحديق بشكل محرج فيمن تتحدث معه.
· احذر من كثرة الرمش بعينيك أثناء الحديث، لأن هذا يشعر بالقلق واضطراب.
· ابتعد عن لبس النظارات القاتمة أثناء الحديث مع غيرك، لأن ذلك يعيق بناء الثقة بينك وبينه.
· احذر من النظرات الساخرة الباهتة إلى من يتحدث إليك أو تتحدث معه؛ لأن ذلك ينسف جسور التفاهم والثقة بينك وبينه، ولا يشجعه على الاستمرار في التواصل معك ورب نظرة أورثت حسرة4.
والله الموفق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري -4066- (13/328) ومسلم -4973 – (13/345).
http://www.alargam.com/sorts/ain/3.htm 2 نقلاً عن: http://www.islamonline.net/arabic/daawa/2002/10/article17.shtml.
3 روضة العقلاء و نزهة الفضلاء ، لأبي حاتم البستي (ص 35).