الداعية والمجتمع

 

 

 

 

الداعية والمجتمعٍ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه وعلى كل من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الداعية الكفء: هو ذاك الإنسان الذي أحس بالمسؤولية تجاه أمته، وشعر بالمخاطر التي تهدد دينه ومجتمعه، ونمّى قدراته، وعمل على التحلي بالصفات الأساسية التي تعتبر أساساً للدعوة بمفهومها التبليغي الإيجابي. 

وهو في مجتمعه الإسلامي الذي أصابه ما أصابه من الانحراف عن الجادة، لا بد له أن يتعامل معه معاملة شرعية – لأنه بمنزلة الطبيب والمداوي لهذا المجتمع – حتى يوفق بعون الله​​​​​​​  إلى ما يحقق صلاح الأمة والمجتمع.

وسوف نتحدث عن الداعية وعن صفاته الأساسية بشيء من  الإيجازٍ.

أولاً: من صفـات الداعية الأساسية:

1- إيمان الداعية العميق بدينة وسلامة منهجه.

2- معرفة الداعية لأصول فكرته ووسائلها العامة.

3- تطبيق ما يدعو إليه على نفسه؛ حتى تكون حياته الشخصية وسلوكه موافقين لما تقتضيه دعوته.

4- تدريب متواصل على الأساليب الناجحة في الدعوة والأخذ بالوسائل المعينة على قبول دعوته.

5- الوعي لواقعه وعصره وبيئته ، وربط هذا الوعي بوسيلة الدعوة.

6- توفر الأخلاق الإسلامية في الداعية مثل: الصبر، والإخلاص والقناعة والشجاعة والثبات وغيرها.

7- التفاهم بينه وبين إخوانه الدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- وتنسيق الخطوات في الدعوة حتى يكمل بعضهم جهود بعض، وحتى  يكونوا قدوةً صالحة في المجتمع الإسلامي.

هذه من أهم الصفات التي لا بد من توافرها في الداعية، لكي يكون قادراً على القيام بواجبه، وينجح فيه النجاح المطلوب.

ثانياً:نموذج حيّ لبعض الدعاة في دعوتهم إلى الله:

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي: قدم مكة ورسول الله   بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً فحذروه من رسول الله   حتى قال: “فوا الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً (أي قطناً) فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله” فعدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله   قائم يصلي عند الكعبة، فقمت منه قريباً، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت منه كلاماً حسناً -إلى أن قال-: فعرض عليَّ رسول الله الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله: إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فذهب إلى أهله وقومه.. قال: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخاً كبيراً فقلت: إليك عني يا أبتِ فلست منك ولست مني، ثم أخبره أنه أسلم فأسلم معه والده. قال: ثم أتتني صاحبتني (أي زوجته) ودار بينهما الحوار، ثم اغتسلت، ثم جاءت فعرض عليها الإسلام فأسلمت. وهكذا. انطلق يدعو  قبيلته إلى الإسلام مجاهداً صابراً حتى أسلموا بعد دعوة النبي   بقوله: (اللهم اهدِ دوساً وائت بهم1)مرتين.

هل يُعلِّق الدعاة اليوم مصير علاقاتهم بأهاليهم والناس أجمعين بدعوتهم كما صنع هذا الصحابي الجليل  ؟

خطورة اختلاف قول الداعية المرموق المنظور إليه عن فعله:

إذا اختلف قول الداعية عن فعله فالناس إزاءه فريقان: فإما أن يكونوا واثقين به وهؤلاء صنفان، أولهما: حَسن الظن يؤول عمله قائلاً: إن فعله دال على الجواز، وقوله منصرف إلى الكمال.

والصنف الثاني: تنعدم ثقته به عندما يطلع على هذا الازدواج المقيت وتتزلزل ثقته بدعوته.

وإما أن يكونوا غير واثقين به أصلاً، فيهاجمونه وفكرته ويقولون فيه: إنه يريد أن يضع الناس في أقفاص من الأوهام لمصالح يجنيها هو وشركاؤه!.

ثالثاً: الوسائل الدعوية للداعية في مجتمعه، أهمها:

· الخطابة والمحاضرة.

· الصحافة.

· النشر.

· الإذاعة والتلفزيون، والإنترنت، والجوال، والكمبيوتر.

· الصلات الشخصية: الود، النصح، الهدية، التوجيه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

· التخصص: التخصص في نطاق الدعوة مهم جداً، فينبغي أن يتخصص نفر لدعوة العوام من الناس، ويتخصص نفر لدعوة المثقفين. وإن زاد التخصص كان أحسن فائدة، فمثلاً في دعوة العامة: يختص نفر بدعوة التجار، ونفر بدعوة العمال، وآخرون بدعوة الفلاحين.فبهذا تكتمل الصورة الملائمة بين العنصرين: الداعية والمجتمع.2

وفي الختام : نسأل الله أن يهب لنا من لدنه رحمةً، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن يوفقنا إلى الخير، وأن يجعلنا من الدعاة لدينه إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


1 – رواه البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له.

2– انظر (صفات الداعية/ لمحمد الصباغ) بتصرف.. وكذلك (وصايا للدعاة / عبد الرحمن العقود).