فن الاتصال

فنُّ الاتصال وتأثيره في الدعوة إ

 

فنُّ الاتصال وتأثيره في الدعوة إلى الإسلام

 

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار, أما بعد:

 فإن فن الاتصال يعتبر من أهم عمليات الإدارة، وإذا نجح القائد أو المربي أو الداعية في الاتصال، ضمن-بإذن الله تعالى- تحقيق أهدافه وتحسين الأداء، ومع هذه الأهمية فإنه ما زالت أجهزة الاتصال ووسائلها تشوبها عيوب خطيرة, وعندما نتأمل في إسلامنا نجد أن الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- كانوا يحرصون على الاتصال ببني آدم أو بالمؤمنين ممن اتبعوهم، وكان الطغاة يخشون هذا الاتصال، ويعملون على الفتك به، إما بالتضييق على الأنبياء أو بعزل أتباعهم عن الرسل، أو بغير ذلك من الوسائل التي يتخذونها للصد عن سبيل الله.

أهمية فنِّ الاتصال في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-:

1-   كل رسول كان مكلفاً بتوصيل كلمات الله إلى البشر قال -تعالى-: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} سورة القصص: 51.

2-       ومشركو مكة وكفارها اقترحوا على أبي طالب أن يمنع ابن أخيه محمد -صلى الله عليه وسلم- من الاتصال بأتباعه.

3-   وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يترك مكاناً فيه تجمُّع أو يمر به الناس إلا ذهب إليه، ووصَّل للقوم رسالة الإسلام، وجاء الإسلام وقد تكاثرت أواصر الاتصال، وتوطدت في الصلاة والحج، حتى العطسة يعطسها المسلم تكون مناسبة للاتصال بين مسلمين المتمثل في الحمد والتشميت.

الأسس التي يعتمد عليها فنُّ الاتصال:

1-       نقل المادة من المرسل إلى المستقبل المقصود.

2-       استقبال المادة وتفهمها.

3-       قبول المادة أو رفضها.

أي إن الاتصال هو المادة التي تنتقل من المرسل إلى المستقبل الذي يتفهمها ثم يقبلها. والمقصود بالمادة هنا: هي المعلومات والحقائق المتعلقة بالموقف أو تحقيق الهدف. وهي أيضاً: الأفكار والمقترحات والخبرات.

المادةُ………. َتنتقل ……… ُتفهم ……….. ُتقبل .

مهارات فنِّ الاتصال:

1-       المبادرة: ونعني بها القدرة على بدء الاتصال حين تظهر المشكلات، إرسال المعلومات، ضمان التعاون ، التجاوب.

2-       السرعة: ونعني بها القدرة على المبادرة بالاتصال؛ لأنها تعمل على انهيار الروتين القاتل.

3-       المثابرة: ونعني بها القدرة على العودة إلى نفس الأشخاص وإثارة القضايا المرفوضة قبلاً؛ بهدف الإقناع والتوصل إلى حلول.

4-   المرونة: ونعني بها القدرة على تطويع النمط الشخصي للأخذ والعطاء مع نمط الآخرين, ليعبروا عن رأيهم في حرية, مع مراعاة ضوابط الشرع الحنيف.

5-   السيطرة: ونعني بها القدرة على مواصلة الحديث, رغم مقاطعة الآخرين؛ بهدف عرض الأفكار والآراء, والحصول على إصغاء ملائم ينفع الغالب من الناس.

6-       الحد الأدنى من الإجهاد: ونعني به القدرة على الاحتفاظ بالطاقات التفاعلية، رغم كسل الآخرين أو محاولات الضغط والسيطرة.

عوامل نجاح فنِّ الاتصال:

1-       سهولة الاتصال بين القائد والأفراد.

2-       استخدام الطرق الجماعية والفردية في الإشراف على الآخرين.

3-       الولاء المتبادل والحب بين الأفراد والعاملين.1

نماذج من مواقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فن الاتصال بالناس:

 لقد بدأ -صلى الله عليه وسلم- يعرض دعوته على ألصق الناس به، وأهل بيته، وأصدقائه ومن توسم فيهم خيراً ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الخير والحق ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جمع عرفوا بالسابقين الأولين, ونشط أبو بكر الصديق في دعوة رجال كان لهم أثر عظيم في الإسلام، ثم دخل الناس في دين الله واحداً تلو الآخر، حتى فشا الإسلام في مكة وتحدث به، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-  يجتمع بهم ويعلمهم ويرشدهم مختفياً.

ولقد بلغ المسلمون عدداً يقرب الأربعين رجلاً، وما زالت الدعوة سراً لم يجهر بها، وكان من الضروري أن يجتمع بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شكل جماعات يرشدهم ويعلمهم، وقد اختيرت دار الأرقم بن أبي الأرقم فكان يلتقي بهم على شكل أُسر يعلمهم أمور دينهم. وهكذا مرت ثلاث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية، ثم بعد ذلك انتقلت الدعوة إلى الجهر بها في مكة.

موقفه الحكيم في صعوده على الصفا ونداؤه العام:

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} سورة الشعراء: 214، صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فجعل ينادي: (يا بني فهر، يا بني عدي) لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟!) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). قال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.2

ثم استمر -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الله -تعالى- ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، استمر يتتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من حُرٍّ وعبد، وقوي وضعيف، وغني وفقير، جميع الخلق عنده في ذلك سواء.

ويتجلى هذا الأسلوب أيضاً:

في دعوته في العهد المدني حتى توفاه الله- عز وجل-:

 فقد أوتي -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم وجوامع الحكمة، فكان يأتي الناس كلٌ على حسبه في الترغيب في الإسلام والتحذير من ضده.3

وكذلك ينبغي أن يكون الدعاة بعده -صلى الله عليه وسلم- يستنون بسنته في دعوة الناس إلى الإسلام، مستخدمين في ذلك الأساليب المناسبة ومنها: فن الاتصال بالمدعوين.

 والله الموفق لكل خير, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

                                                                  


 


1– انظر: (القيادة المؤثرة / جمال ماضي ص107 – 110) بتصرف واختصار.

2    – رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.

3    –  انظر: (الحكمة في الدعوة إلى الله) للقحطاني ص123.