القيـادة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
صفة القيادة هي صفة لكل مسلم منتمٍ لهذه الملة كما قال المولى – جل وعلا -: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة آل عمران:110).
يقول سيد قطب – رحمه الله -: لقد وُجدت هذه الأمة لقيادة البشرية، ولتقودها بمنهج الله، وحين تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إِذَن؟! وليس لوجودها في هذه الحال من غاية، وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة، لتعرف حقيقتها، وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة بما أنها هي خير أمة.
والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض .. ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقَّى من غيرها من أمم الجاهلية .. إنما ينبغي دائماً أن تعطي هذه الأمم مما لديها، وأن يكون لديها دائماً ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح .. هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، وتحتمه عليها غاية وجودها.
واجبها أن تكون في الطليعة دائماً، وفي مركز القيادة دائماً .. ولهذا المركز تبعاته، فهو لا يؤخذ ادعاءً، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلاً له.. وهي بتصورها الاعتقادي، وبنظامها الاجتماعي؛ أهل له.. فيبقى عليها أن تكون بتقدمها العلمي، وبعمارتها للأرض – قياماً بحق الخلافة – أهلاً له كذلك.. ومن هذا يتبين أن المنهج الذي تقوم عليه هذه الأمة يطالبها بالشيء الكثير، ويدفعها إلى السبق في كل مجال لو أنها تتبعه وتلتزم به، وتدرك مقتضياته وتكاليفه.
وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد .. وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي خير أمة أخرجت للناس. لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف – تعالى الله عن ذلك كله علواً كبيراً -، وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون (نحن أبناء الله وأحباؤه) كلا! إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر، وإقامتها على المعروف، مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر.
والعلماء، والدعاة، والمصلحون هم القادة لهذه البشرية إلى الخير وهم حملة النور، هم الهداة إلى الله، والدعاة إلى كلمته، والقوامون على دينه، والذائدون عن حرماته، والواقفون على مفترق الطريق؛ يرشدون الحيارى، ويبصرونهم أعلام الطريق.
لقد نظروا إلى الناس على أنهم مجموعة من القوى، والمواهب، والملكات، وأن عليهم أن يوجهوا هذه القوى وجهة الحق والخير والفضيلة، وأن يأخذوا بها إلى المثل الأعلى لتصل الإنسانية إلى الغاية من الكمال في هذه الحياة، ولتسعد إلى كمال أسمى في حياة أرغد وأسعد، بتحقيق العبودية الكاملة لله تبارك وتعالى في هذا الوجود.
ولهذا فرض الله – تعالى – طاعتهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (سورة النساء:59) على تفسير عطاء: أن أولي الأمر هم أهل العلم والفقه، وعندما تنقاد الأمة لعلمائها، ودعاتها، ومصلحيها؛ فإن ذلك علامة يقظتها، وصحوتها، وعندما يُفصل بين الأمة وعلمائها يحدث الخلل، ويحدث الجهل والفساد في الأرض.
وعندما نتكلم عن القيادة في الأوساط الدعوية قد نعني بالقائد أنه: الشخصية القادرة على اختيار الرجال، وفرض احترامه عليهم، والحصول على محبتهم، ومعرفة إمكاناتهم واستغلالها، ووضع كل منهم في المكان الذي يلائمه، وبث فكرة القوة والمساواة بينهم، وتوزيع المسؤوليات والمهام عليهم، وإشراكهم جميعاً في خدمة هدفٍ سامٍ على أن يتمثل فيه إيمان جاد بالمهمة التي يقوم بها.
وللحديث بقية – إن شاء الله – نتكلم فيه عن سمات القيادة الناجحة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.