القدوة في الإدارة

القدوة في الإدارة

إن من يأمر الناس بشيء، ويريد منهم أن ينفذوا أمره؛ لا بد أن يكون هو نفسه أول المستجيبين لذلك الأمر، وأن يكون قدوة لهم وأسوة.

ومعنى القدوة هو: السير والاتباع على طريق المقتدى به، وهي نوعان: حسنة، وسيئة، فالحسنة هي: الاقتداء بأهل الخير والصلاح في كل ما يتعلق بمعالي الأمور وفضائلها؛ من القوة، والحق، والعدل، وقدوة المسلمين الأولى هو: صاحب الخلق الأكمل، والمنهج الأعظم؛ رسولنا محمد ، وفي ذلك يقول عز وجل: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً))(الحشر:21).

والنوع الثاني من القدوة: الأسوة السيئة: ويعني السير في المسالك المذمومة، واتباع الأهواء والسوء من غير حجة أو برهان، ومن ذلك قول المشركين: ((إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)) (الزخرف: 23)، ولهذا رد عليهم القرآن بقوله: ((قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)) (الزخرف: 24).

إن القدوة الحسنة مهمة جداً في إنجاز الأعمال ونجاحها، فالقدوة الطيبة للشخص، وأفعاله الحميدة، وصفاته العالية، وأخلاقه الزاكية؛ تجعله أسوة حسنة لغيره، يكون بها أنموذجاً يقرأ فيه الناس معاني ما يأمرهم به، فيقبلون على تلك المعاني، وينجذبون إليها، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.

إن مديراً يأمر موظيفه بالالتزام بأوقات الدوام ثم لا يلتزم هو بها لا يصلح أن يكون قدوة حية لموظفيه، أو ينهاهم عن التغيب مثلاً ثم هو يكثر الغياب فلن يستقيم أمر موظفيه، ولن يصلح حال مؤسسته.

إن الله تعالى قد ذم بني إسرائيل في كتابه الكريم؛ لأنهم أمروا الناس بالبر، ونسوا أنفسهم فقال تعالى: ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) (البقرة: 44)، قال قتادة: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه، والبر، ويخالفوهم؛ فعيرهم الله.

إن آفة كثير من الناس – حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة – أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون إلى البر ويهملونه؛ والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه؛ هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك لا في الدعاة وحدهم ولكن في الدعوات ذاتها، وهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم، لأنهم يسمعون قولاً جميلاً، ويشهدون فعلاً قبيحاً، فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل، وتخبوا في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة، وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان، إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذٍ يؤمن الناس، ويثق الناس ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين، ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها؛ وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها … إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة؛ لأنها منبثقة من حياة.

ولقد كان النبي قدوة حية وعملية لهذا الأمر، فلم يكن يأمر بأمر إلا أتاه، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول المنتهين عنه.

فها هو ذا يأمر أصحابه – رضي الله عنهم – ببناء المسجد، ثم يبني معهم، ويحمل الطين، ويساعدهم.

وفي موطن آخر يأمر بحفر الخندق ثم يكون من أكثرهم عملاً وسعياً.

إن التزام المدير بأوامره قبل أن يصدرها يضمن تحقيقها وتطبيقها على أرض الواقع من قبل موظفيه، إن ذلك يؤثر نفسياً عليهم، ويجعل المتواني منهم يستحي ويقول: المدير يعمل وأنا لا؟! فيبادر مباشرة إلى العمل بهمة ونشاط.

ولقد حذر الله – تعالى – أشد التحذير الذين يقولون ولا يعلمون فقال: ((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تعملون ۝ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لاتعملون))(الصف:2-3)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قال: قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء أمتك من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب) رواه أحمد.

إذن الخلاصة أن نجاح الأعمال الدنيوية والأخروية مرتبط بصلاح مسؤوليها وقادتها، فإن صلحوا وطبقوا ما يأمرون به أتباعهم، وما ينهونهم عنه؛ فإن ذلك مؤذن بنجاح الإدارة، ونجاح العمل، وإن حدث العكس فإن ذلك مؤذن بفشل تلك الإدارة، أو ذلك المدير، أو ذلك العمل، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.