ضعف الذاكرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فإن الله خلق هذا الإنسان، وفطره على النسيان، وأخبر أنه لا مؤاخذة عليه، فقال عن دعاء عباده: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
وأخبر تعالى أن النسيان من الشيطان فقال حاكياً عن صاحب يوسف: {وقال للذي ظن أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين}. وقال عن فتى موسى: { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً}.
فالنسيان وصعوبة تذكر الإنسان لما يلقى عليه من المعلومات يعد مرضاً خطيراً، وظاهرة منتشرة بين أوساط الناس عامة، وبين المتعلمين خاصة.
لذلك يحسن أن نتحدث عن ضعف الذاكرة – النسيان- فنقول:
أولاً: أنواع الذاكرة من حيث القوة:
1. الذاكرة الذهبية: وهي الذاكرة الراسخة، لا يدخل إليها إلا كل مرتب مصنف، ولو دخل فإنه يبقى ويعيش.
2. الذاكرة الزئبقية: وهذه الذاكرة لا تتبخر بسرعة مثل الأحداث، شديدة الفرح والفزع، ولها طبيعة الزئبق لا يسهل الإمساك بها.
3. الذاكرة الطيارة: قصيرة الأجل، سريعة التبخر والطيران، وهذه نستعملها في أمورنا السريعة مثل مشاهدة منظر طبيعي في مناقشة قصيرة.
وطريق الإنسان إلى النجاح بعد توفيق الله – عز وجل – مرهون باكتساب مهارة ملئ الذاكرة الذهبية. وأول الطريق إلى هذا هو القدرة على التركيز، والإلمام بطرق دفع المعلومات إلى الذاكرة الذهبية.. طويلة الأجل. وهناك تقسيمات أخرى للذاكرة.
ثانياً: أعداء الذاكرة:
1. عدم الاستعمال: إذا لم يتم استخدام معلومة معينة، أو تذكرها على فترات زمنية معينة، فإنا المسارات العصبية بين الخلايا العصبية تضعف تدريجياً، ويصبح تذكر هذه المعلومة غير ممكن، وتفقد بطبيعة الحال لعدم استعمالها وتذكرها.
2. الشرود الذهني: وهو أحد أشكال الفشل في إبداء الانتباه، ويحدث الشرود الذهني في حال الانشغال بأمر من الأمور، أو الاستغراق في أحلام اليقظة، أو في حال التمني وما أشبه ذلك.
3. المعاصي وخاصة المعاصي المتعلق بالبدن، فالمعصية تعد ألد عدوٍ لضعف الذاكرة، بل إن انعدامها لذلك، قال الله عن المجرمين: {كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} ولذلك مثلاً: من يتعاطون الخمر تجدهم من أبلد الناس، وأضعفهم حفظاً، وكذلك الذين يقعون في الفواحش من زنا ولواط- والعياذ بالله – تجدهم أجساماً بلا عقول ولا أفئدة.
كيفية التخلص من هؤلاء الأعداء:
1. الفهم الجيد لما يقال ويلقى من قبل المدرس أو المحاضر، وهو الذي يجعل الإنسان قادراً على شرح الموضوع بأسلوبه الخاص.
2. ربط المعلومة مع المعلومات الأخرى المعروف من قبل من نفس المنهج المقرر أو من غيره مثل: ربط دراسة معلومات فلكية بما قرأت في القرآن والسنة عن الشمس والقمر والسماء والأرض.
أسباب ضعف الذاكرة:
من المعلوم بداهة أن الإنسان يخطئ ويصيب، ويحفظ وينسى، ويحزن ويفرح، ولذلك أسباب منها:
1. الإجهاد الذهني والعضلي، وذلك بسبب كثرة الإعياء والمسؤوليات، وغير ذلك.
2. كثرة المشاغل والمشاكل الاجتماعية والمعيشية والعلمية.
3. ترك الدروس فترة طويلة بدون استذكار ومراجعة.
4. وجود العديد من التشابه والتداخل بين الموضوعات.
5. عدم الفهم الجيد والتركيز والاستيعاب بعدة أسباب – التسرع- الاستهتار- عدم التدبر.
6. طبيعة بعض المواد أنها سهلة النسيان.
7. التعلق بغير الله كأن يتعلق الإنسان بصورة حسناء، أو مال وفير، أو مركب هنيء، أو ما أشبه ذلك مما يتعلق به الإنسان.
وهذا السبب يعد من أهم الأسباب وأعظمها.
علاج المشكلة:
1. الاستعانة بالله وحده، والإكثار من الدعاء والتضرع والانكسار بين يدي الله -عز وجل-.
2. الإكثار من الاستغفار والتوبة، ومضاعفة العبادات، والإحسان إلى الناس.
3. الترويح على النفس بالوسائل المشروعة والمباحة؛ لأن القلوب إذا كلت عميت.
4. الاستعانة بالمذكرات والملخصات والوسائل التعليمية المعينة على الاسترجاع.
5. تلخيص وكتابة كل ما يستذكر في وقته في ورق فقد قيل: ما حفظ فر وما كتب قر.
6. تناول المواد المعينة على الحفظ، مثل: الزبيب والعسل وغير ذلك.
نصــــــائح:
وأخيراً هذه نصائح ينصح العناية بها:
1. لا تذاكر وأنت مرهق؛ لأن التعب والإرهاق يساعد على تثبيت المعلومات.
2. الذاكرة والمراجعة وفق نظام وبرامج وخطط.
3. تكرار الحفظ مع المراجعة في فترات متفاوتة.
4. التخلص من المشاكل والعقبات أولاً بأول.
5. التركيز والانتباه.
6. عدم الإهمال والترك، فإن ذلك أساس النسيان والذاكرة الضعيفة.
7. وأخيراً: ابتعد عن الذنوب والمعاصي حتى لا تنسى.
يروى أن الإمام الشافعي- رحمه الله- قال:
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.