الدور التربوي للحلقات القرآنية

الدور التربوي للحلقات القرآنية

 

            الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فالتربية هي الأداة التي تضع الإنسان في بداية طريق النمو والاستفادة من الوسط الاجتماعي القائم.

وهي التي تقوم بتكوين الوعي لدى الناشئين، وتغرس في أنفسهم ضرورة التطلع إلى المثل العليا والأهداف الكبرى؛ حيث يستل المربي من مجموع ما تفيض به ثقافة الأمة، ومما هو متوفر من معرفة، يعتقد أنه أساسي في تكوين من يشرف على تربيته.

وقد جاء القرآن الكريم ليربي أمة، وينشئ مجتمعاً ويقيم نظاماً، والتربية تحتاج إلى زمن وإلى تأثير وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثير والانفعال إلى واقع.

وفيما يلي نسلط الأضواء على الدور التربوي الذي تتحمله الحلقات القرآنية، من حيث الأهداف والغايات التربوية، والأطراف اللازم توافرها وتظافرها لإنجاح هذا الدور المهم، وما هي الأساليب والبرامج التربوية في الحلقات القرآنية.

 

أولاً: الأهداف التربوية في الحلقات القرآنية:

والأهداف التربوية من الحلقات هي:

1- تربية جيل مسلم على القرآن، تلاوةً وأخلاقاً ومنهجاً.

2- استنقاذهم من وطأة الأخلاق الذميمة والعادات المشينة.

3- شغل الشباب بمعالي الأمور ورفيع المنازل.

4- تنمية روح الاعتزاز لدى الطالب بإسلامه وهويته وكتاب ربه.

5- فتح آفاق جديدة وواسعة أمام الشباب على معاني القرآن الآسرة، وحقائقه الفذة التي تفجر الطاقات الإبداعية.

6- إمداد الأمة والمجتمع بحفظة القرآن -ليبقى فيها الميزتان- حفظ الصدور، وحفظ السطور، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من أصحاب النقول إلينا جيلاً بعد جيل.

7- مداواة مرضى العقوق الذي يشكو منه الوالدان، وقد استشرى في الأمة، ودواؤه من صيدلية القرآن.

8- تقديم القرآن بطريقة مشوقة فيها أسلوب العصر وسرعته وإغراؤه، وفيها أصالة التراث الإسلامي وخلوده وعظمته.

9- عمارة المساجد بتلاوة القرآن الكريم، وتعليم العلم الشرعي، وإحياء رسالة المسجد.

10- تخريج دفعات مؤهلة للتدريس والتربية على ضوء القرآن الكريم، وتولي إمامة المصلين في المساجد.

11- تقويم ألسنة الطلاب والعمل على إجادة النطق السليم للغة العربية وإثرائهم بجملة وافرة من مفرداتها وأساليبها.1

كيف نحقق هذه الأهداف التربوية؟

لكي نصل إلى الثمرة المرجوة، ونستطيع أن نحقق أهدافنا التربوية في الحلقات، لا بد أن تتكاتف وتتظافر أربعة أطراف يسند بعضها بعضاً، ويأخذ بعضها برقاب بعض: "إدارة الحلقة، والمعلم، والطالب، ووالده" أربعة أطراف لها بصماتها المؤثرة في إنجاح الدور التربوي للحلقة القرآنية، فلا بد أن تسعى إدارة الحلقة –أولاً- إلى اختيار المعلم الناجح الذي يجمع بين الكم العلمي والحس التربوي، وأن يكون الإشراف على الحلقة متكاملاً في كل النواحي، من الناحية الفنية والشكلية، وأيضاً من الناحية التربوية والعلمية التي كثيراً ما تتجاهلها إدارة الحلقة.

وفي علاقة الإدارة مع المعلم ينبغي أن يراعى جانب التربية والكيف بالإضافة إلى الكم، وأيضاً يكون الذي يتابع المعلم أعلى رتبة علمية وتربوية من المعلم، فيكون صاحب تجربة معروفة وطويلة قدر الإمكان.

ويأتي بعد ذلك دور المعلم التربوي المباشر في علاقته مع الطالب -الطرف الثالث- بأن يسعى إلى غرس القيم القرآنية في الطالب، يشعره فيها بالأخوة الصادقة والسعي من أجل مصلحته.

ويأتي في الأخير دور الطرف الرابع في إتمام المسيرة التربوية، وهو "أب الطالب" حيث يسعى الأب إتمام علاقته مع جميع من سبق بدءاً من ابنه الذي استودعه في هذه الحلقة، وأيضاً مع معلمه وإدارته.

حيث يراقب تطور ابنه التربوي، ويسعى إلى تعزيز القيم والأخلاق الفاضلة التي تلقاها في الحلقة، حتى تتكامل الثمرة وتنضج.

وينبغي أن تسعى الإدارة والمعلم إلى التواصل المستمر مع ولي أمر الطالب لمناقشة حال الطالب واطلاع الأب على المستوى الذي وصل إليه.

حين تتكامل هذه الأطراف، ويؤدي كل طرف دوره المناط به فإنه أدعى لإنضاج الثمرة.2

 

ثانياً: بعض الأساليب المعينة على التربية:

1- التربية بالقدوة:

وهي من أهم الأساليب التي يستخدمها المدرس مع تلاميذه في حلقة التحفيظ؛ ومن أول الناس الذين يقتدي بهم الطالب هم المدرسون؛ إذ أنهم المعلم الأول والشخص المباشر للتربية، فينبغي عليه أن يكون قدوة صالحة حسنة لطلابه، فلا تظهر منه مظاهر ينكرها على الطلاب، ثم ربما عملها، فيتعلمون من قوله شيء ومن فعله شيء آخر.

فالمعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلًا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين.

2- التربية بالترغيب والترهيب:

ومن الأساليب التربوية التي يسلكها المدرس مع طلابه في حلقة التحفيظ أسلوب الترهيب والترغيب بحيث يغرس في قلوب الطلاب الخوف من الله -تعالى- فأن الله شديد العقاب على العاصين لأمره التاركين لفرائضه، كما أنه يغرس في قلوبهم حب الله تعالى إذ أنه الرءوف الرحيم، المنعم العظيم، الذي وعد عباده المؤمنين الطائعين المؤدين لحقوق الله بالجنة الواسعة التي فيها الأنهار والأشجار… إلى غيره مما يساعد في بناء الخوف والرجاء منه -سبحانه-.

3- التربية بالقصة:

ومن الأساليب في التربية في الحلقات القصة القصص الهادفة، فالقصة لها تأثير على النفس، فعلى المعيين بهذا الشأن أن يكثروا من القصص النافعة لطلابهم فهو خير عون لهم على تربية الأجيال، والقرآن والسنة يحملان في طياتهما عدداً من القصص العظيمة.

قال منّاع القطان: "ممّا لا شكّ فيه أنّ القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر…؛ ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعاً وأكثر فائدة، والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميلَ الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة… هذه الظاهرة الفطرية ينبغي للمربّين أن يفيدوا مِنها في مجالات التعليم".3

4- التربية بالموعظة:

ومن الأساليب التي يتعامل بها المدرس مع طلابه في حلقة التحفيظ أسلوب الموعظة الحسنة ويستخدم ذلك مع من تكثر غفلته، قال ابن القيم: "القابل الذي عنده نوع غفلة وتأخّر يدعَى بطريق الموعظة الحسنة".4

5- التربية بضرب الأمثال:

ويعتبر هذا الأسلوب من أساليب التربية الشيقة والمؤثرة، وهو أسلوب نبوي كريم، استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشكال، فكان يوضح المعاني التي يريد بيانها بضرب الأمثال.

قال عبد الرحمن النحلاوي: "فالتربية بالأمثال القرآنية والسنة النبوية طريقة تربوية قائمة بذاتها، توظّف العقل والوجدان وتربيهما…، وهي طريقة ذات نتائج فعالة في حياة الفرد والجماعة، ذات أثر عميق في النفس والسلوك، وفي كيان المجتمع وتكوين علاقاتهم".5

وهناك مع الأساليب التربوية داخل الحلقة برامج تربوية مساندة للدور التربوي الذي تقدمه الحلقة وهي كثيرة جداً، ولها أشكال وأنواع متعددة والباب فيها مفتوح على مصراعيه للإبداع والتجديد والابتكار وفق الضوابط الشرعية والتربوية.

نسأل الله تعالى بمنه وكرمة أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.  

 


 


1 مستفاد من مقال بعنوان "الدور التربوي للحلقات القرآنية" المصدر: موقع صيد الفوائد.

2 مستفاد من مقال بعنوان "الدور التربوي للحلقات القرآنية" المصدر: موقع صيد الفوائد.

3 مباحث في علوم القرآن (ص305).

4 مفتاح دار السعادة (1/153).

5 التربية بضرب الأمثال (ص10).