للمربين في حِلق تحفيظ القرآن

للمربين في حِلق تحفيظ القرآن

للمربين في حِلق تحفيظ القرآن

الحمد لله الملك المحمود، الرحيم المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه, ومن سار على نهجه إلى يوم الدين… أما بعد:

لا شك أن مدرسة التحفيظ هي محضن تربوي لا يقتصر العمل فيها على مجرد التلقين والتسميع ومتابعة المحفوظ من القرآن, بل إن من أهدافها العناية بالتربية والسلوك والإرشاد والتوجيه والتزكية الأخلاقية في كيفية تعامل متعلم القرآن مع الآخرين, ومن أعمالها تعليم الطلاب ما يهمهم من أمور دينهم في العبادات كمسائل الوضوء والصلاة وغيرها, وإضافة إلى كل ما سبق فالمدرس مربٍّ لطلابه فهو قدوة لهم ينبغي أن يتحلى بصفات المربي الناجح, ومن تلك الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربون سواء كانوا أمهاتٍ أو آباء أو معلمين في تحفيظ القرآن أو في غيره, ما يلي:

1- الحِلْم والأناة: وهما من الصفات التي يحبها الله، ولهما تأثير تربوي كبير, فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد قيس: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ)1.

2- الرِّفق واللين: فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)2.

3- الرَّحْمَة: وهذه صفة  من صفات المربي الناجح، وهي من الوالدين لأبنائهما  أخص، ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم، ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نمواً قوياً سوياً، فإذا فقد الأولاد المحبة نشؤوا منحرفين في المجتمع، لا يتعارفون مع أفراده، ولا يندمجون في وسطه, ويحتاج المربي سواء كان في مدرسة التحفيظ أو في أي محضن تربوي للاتصاف بهذه الصفة؛ فتلك صفة تمثلها المربي الأعظم محمد –صلى الله عليه وسلم- فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن قتادة –رضي الله عنه- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى, فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا"3. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا, فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا! فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: (مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)4.

4- البعد عن الغضَب: وذلك لما لها من آثار سلبية في العملية التربوية؛ فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْصِنِي" قَالَ: (لَا تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَارًا, قَالَ: (لَا تَغْضَبْ)5.

5- المُرونَة ولين الجانب والأخْذ بالتَّيْسير: الذي أباحه الشرع، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ)6.

6- الأخْذ بأيسر الأمرين ما لم يكن إثماً: لما ورد في الحديث المتفق عليه: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا, فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ, وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ)7. أيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلبه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات وأرق التوجيهات؛ ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق.

7- الاعتدال والتوسط في التوجيه والتربية والتعامل: فعلى المربي أن يبتعد عن الغلو والتشديد؛ لأن الغلو والتشدد لا مكان له في دين الإسلام.

8- القصد في الموعظة وتقليل الكلام وعدم الإطالة: وقد أدرك الصحابة  -رضي الله عنهم– هذه الصفة من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة المسلمين؛ ففي الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ –يعني ابن مسعود- يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ, فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ, لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ, وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)8.

9- القدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول: قال –عز وجلَّ- في حق الرسول –صلى الله عليه وسلم-:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (21) سورة الأحزاب. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2-3) سورة الصف.

 فهذه أهم الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلي بها المربي المسلم، وما حازها أحد من المربين إلا كان قدوة حسنة يبني الرجال ويصنع الأبطال, وهكذا كان السلف الصالح -رضي الله عنهم- يتعهدون أبناءهم رجاء أن يكونوا طائعين لله، وخير خلف لهم.

فعلينا أن نقتديَ بهم في تربية من تحت أيدينا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, والله نسأل أن يعيننا على طاعته, وأن يعين الجميع على القيام بما أوكل إليه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين9.

 


 


1 رواه مسلم -24- (1/107).

2 رواه مسلم -4697- (12/486).

3 رواه البخاري -5537- (18/402).

4 رواه البخاري -5538- (18/403).

5 رواه البخاري -5651- (19/74).

6 رواه أحمد -3742 – (8/277) والطبراني -841- (19/346) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3135).

7 رواه البخاري –5661 – (19/ 88) ومسلم -4294- (11/472).

8 رواه البخاري -68- (1/124) ومسلم -5048- (13/445).

9 استفيد الموضوع بتصرف من:  http://www.islamlight.net