تسمية المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد:
فقد يتساءل متسائل عن مسألة تسمية المسجد هل يجوز أن يسمى المسجد باسم معين، فينسب إلى شخص، أو جهة، أو صفة ما؟
وللجواب عن هذا التساؤل نقول:
يجوز أن يسمى المسجد باسم شخص معين، قال ابن حجر: “والجمهور على الجواز، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي”1، وروى ابن أبي شيبة أن إبراهيم النخعي لا يرى بأساً أن يقول: مصلى بني فلان2، فهذا معارض لقول ابن حجر، ولعله رواية أخرى عنه، فتسمية المسجد باسم قبيلة، أو رجل، أو امرأة؛ كل ذلك جائز، ويستدل له بما يلي:
1- قوله ﷺ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ3 الشاهد قوله: مسجدي هذا، ووجه الدلالة: نسبة الرسول ﷺ المسجد الذي بناه في المدينة إلى نفسه الشريفة؛ مما يدل على جواز ذلك.
2- عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا”4.
الشاهد قوله: “مسجد بني زريق”، ووجه الدلالة أن ابن عمر ذكر اسم المسجد الذي عرف به على عهد النبي ﷺ، وقد كانت المساجد تسمى بأسماء أشخاص، والصحابة – رضوان الله عليهم – يعلمون ذلك، ولم يثبت عن أحد منهم إنكار لهذه التسميات.
3- روى ابن أبي شيبة عن زر بن حبيش والربيع بن خيثم أنهما يقولان: مسجد بني فلان، وأن جابراً قال: “فأتى مسجد معاذ”5 فهذا الأثر وما تقدم دليل على أنه يجوز تسمية المسجد بأسماء أشخاص، وإضافتها إليهم لا تفيد التمليك، وأما إضافتها إلى الله – تعالى -، فهي إضافة تشريف وتكريم، وأما إضافتها إلى المخلوقين فهي إضافة تمييز بين المساجد، ومن فوائدها: أن من صلى في المسجد يدعو لمن أوقفه بعينه.
وقد اهتم المسلمون بواقف المسجد، وجعلوا له حق نصب الإمام في المسجد، قال في الإنصاف: “ولناظر المسجد التقرير في الوظائف قال في الفروع: قاله الأصحاب في ناظر المسجد”6، قال في الأحكام السلطانية: وإن كان من المساجد التي يبنيها أهل الشوارع والقبائل فلا اعتراض عليهم، والإمامة فيها لمن اتفقوا عليه”7.
لكن أن يضع واقف المسجد اسمه في لوحات ضخمة في كل مكان خارج المسجد وداخله، وفوق محرابه، ويسعى للرياء والسمعة؛ فذلك البلاء العظيم، وتلك المصيبة الكبيرة؛ إذ أوقع نفسه في الشرك الخفي، ولم يخلص نيته لله، فهذا الواقف لا يستفيد من وقفه؛ لأن الله – تعالى – أغنى الشركاء عن الشرك.
وفق الله الجميع إلى مرضاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله أولاً وآخر8.
1 فتح الباري لابن حجر (2/ 137)
2 مصنف ابن أبي شيبة (2/327).
3 رواه البخاري 1116 (4/377) ومسلم 2470 (7/153).
4 رواه البخاري 403 (2/188).
5 مصنف ابن أبي شيبة (2/327).
6 الإنصاف لـ(حَسَن بن عَلِيِّ الْمِرْدَاوِيُّ الْمَقْدِسِيُّ) (11/ 25).
7 المرجع السابق.
8 استفيد الموضوع من كتاب: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية لـ(إبراهيم بن صالح الخضيري).