المدرس والفتور

المدرس والفتور

 

المدرس والفتور

 

 الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وبفضلِهِ وكرمِهِ تُضاعف الحسناتُ، وتُكفَّرُ السيئاتُ، والصلاة والسلام على خير البريات، والشفيع في العرصات، محمد وعلى آله وصحبه مصابيح الظلمات،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يدي مالك الأرض والسماوات.

أمَّا بعدُ:

فإن هناك مشاكل كثيرة تُواجه العاملين، فتؤثر على عملهم وإنتاجهم سلباً، ومن هذه المشاكل مشكلة فتور الهمة التي حذَّر منها النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(لكل عالم شرة،ولكل شرة فترة؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)(1).

فكثيراً ما تجد شخصاً شاباً فتاتاً شيخاً تجده نشطاً متحمساً في العبادة والتمسك بالكتاب والسنة، كان يقوم الليل، ويكثر من نوافل الصلاة، وكان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكان ذا تخشع وتأله لله -تعالى-، ثم فجأة نراه قد نقص منه ذلك النشاط كله ، ثم تدريجياً تجده قد ترك نوافل العبادات، بل ربما تساهل في بعض الواجبات، وهكذا.. والمدرس والمعلم والذي قد خصصنا حديثنا عنه في هذه العجالة للحديث بمثل ذلك، فكثيراً ما تجد مدرساً شاباً متحمساً لتعليم القرآن الكريم، يقدم ويضحي في سبيل ذلك بماله ووقته، ويبذل أقصى ما يستطيع من جهد لإنجاح عمله، ولخدمة الآخرين، يعطيك أنموذجا ً عملياً للشمعة التي تحترق لتضيء الطريق للآخرين، فقد نراه ممن يضع الخطط والبرامج للنشاطات القرآنية، ويقضي جُل- بل كل- وقته مع الطلاب تعليماً وتربية ونشاطاً، وإذا خاطبك رأيته يفيض حيوية وحماساً، وفجأة نرى عزيمته تتراخى، وهمته تتناقص، ويتسلل إليه الإحباط واليأس حتى ينتهي به الأمر إلى الواقع والانسحاب من ساحات خدمة القرآن الكريم(2)– نسأل الله العافية والسلامة-.

وفي المقابل فأننا كثيراً ما نرى ونلاحظ مدرساً يدرس بلا رغبة، متأخراً متكاسلاً، لا يشارك في حوار، ولا في صنع قرار، وإذا سئل من يعرفه عنه قال: لم أعهدْهُ كذلك، وإنما كان شعلة من نشاط وحماس، و و إلخ

ومرجع ذلك كله إلى هذه المشكلة أو هذه الظاهرة، ولا شك أن لهذه الظاهرة أسباب قد يكون بعضها ظاهراً، وقد يكون بعضها الآخر غامضاً. فمن أسباب هذه المشكلة- مشكلة الفتور- ما يلي:

1.    عدم تعاون بعض المشرفين تعاوناً إيجابياً مع المدرسين مما يضعف من همتهم، ويوهن من عزائمهم.

2.    الخلل في إلتزام المؤسسة بالناحية المادية كعدم التزام المؤسسة – أو الجمعية- بالمواعيد المحددة للرواتب والحوافز والهدايا ونحوها.

3.    يأس المدرس من تحسين مستوى الطلاب؛ فهو يبذل كل الجهود- حسب ادعائه- في سبيل رفع مستواهم، ولكنها لم تؤت ثماراً.

4.  عدم اريتاح المدرس في الأصل إلى العمل في هذه المنطقة، أو المؤسسة – المعينة-، التي يعمل فيها وذلك لبعدها عن بيته، أو لوجود عادات وتقاليد لم يعْتَدْ عليها.

5.    عدم تقدير جهود المدرس وتشجيعها من قبل الآخرين.

6.    عدم فهم المدرس لمهمته الحقيقية في عمله، وعدم إدراكه لما أعد الله من الثواب الجزيل لمعلم القرآن الكريم.

7.  حدوث مشاكل شخصية خاصة به؛ كتأخير زواج، أو خيبة أمل في أمر من الأمور، أو وفاة عزيز عليه ولا يجد من يفتح قلبه له ليسمع منه.

هذه من أبرز أسباب المشكلة، أما سبل العلاج لهذه الظاهرة فيكمن من  خلال فهم هذه الأسباب الآنفة الذكر سبباً سبباً؛ فإن كان السبب في الفتور مثلاً موقف المشرف فعليه أن يعدله، وإن كان السبب من المؤسسة فعليها معالجة هذا الأمر بسرعة قبل أن تخسر أكثر، فإنه مؤشر خطر على وجود خلل إداري، وإن كان الأمر يتعلق بالشخص نفسه، فهو أمام أربعة خيارات:

أ‌.       أما أن يتنحى عن هذا العمل ويبحث عن مكان آخر يرتاح فيه نفسياً.

ب‌.   وإما أن يغير من سيرته وطريقته ويعيد برمجة حياته من جديد، ليعود إلى سالف عهده من الهمة والعزيمة، والحماس الوقاد.

ت‌.  وإما أن يصارح المشرف بمشكلته الخاصة ويتشاور معه في حلها، فما من مشكلة إلا ولها حلٌّ.

ث‌. وإما أن يستمر كما هو متكاسلاً، فاتراً، يدع الأمور تمشي، ولا يقدم شيئاً سوى ذلك الحضور الجسدي الروتيني. ولا شك أن هذا الخيار مرفوض لدى كل الأطراف المعنية3.

هذا والله نسأل أن يثبتنا على الدين القويم إنه سميع قريب مجيب الدعاء. والله من وراء القصد.

 

 

 


 


1 – رواه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، رقم(6664).

2 – راجع رسالة لطيفة بعنوان: ” الفتور في حياة الدعاة” لم يعرف مؤلفها.

3 – انظر :” فن الإشراف على الحلقات والمؤسسات القرآنية” صـ(211- 212).