أسباب تسرب الطلاب من الحلقات1
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن أسباب تسرب الطلاب من الحلقات كثيرة، ولا يصح أن نقول: بأن الطالب هو السبب، أو أن المعلم هو السبب، أو أن ولي الأمر -بقلة متابعته وضعف اهتمامه- هو السبب، بل الحاصل أن هناك العديد من الأسباب المتنوعة. فهناك أسباب نابعة ومتعلقة بالطالب نفسه، وأخرى متعلقة بالمعلم، وأخرى متعلقة بولي الأمر، وهناك أسباب نابعة من داخل الحلقة وأخرى نابعة من خارجها، وكذلك هناك أسباب متعلقة بالجهة المشرفة على الحلقات، وسنأخذ كل ذلك بالتفصيل. أولاً: الأسباب المتعلقة بالطالب:
أ ) أسباب ناتجة عن حاجة الطالب إلى الرغبة الصادقة:
1- رغبة الطالب في الحلقة مضمحلة منذ البداية، ولم تجد من يستصلحها، فجانب الاحتساب لديه ضعيف، وعلمه بفضل قراءة القرآن وحفظه لا دعوه لبذل المزيد.
2- إدراك الطالب للهدف الذي من أجله أقيمت الحلقة مفقود فحضوره إلى الحلقة تحصيل حاصل.
ب ) أسباب ناتجة عن حاجة الطالب إلى المتابعة المستمرة:
1- تعوُّد الطالب على الغياب بغير عذر صحيح منذ التحاقه بالحلقة، والغياب يدعو الطالب إلى الدعة والراحة، فتميل نفسه إلى ذلك، فينقلب الطالب بعدئذ بهمة ضعيفة، وعزيمة منهزلة، في جانب التحصيل، فيزهد في الحلقة لذلك.
2- تأثر الطالب بمن حوله من الطلاب المكثرين من التأخر أو الغياب.
3- وجود ملهيات للطالب قريبة من الحلقة كملعب كرة قدم أو مسبح أو غير ذلك، وهذا الأمر يحتاج إلى مراعاته عند اختيار موقع الحلقة.
جـ ) أسباب ناتجة عن حاجة الطالب إلى التشجيع والتأديب:
1- الشعور بالفوقية والتعالي على المعلِّم وعلى البقية جعلت الطالب يحضر متى شاء، ويتشدق أمام المعلم بالعبارات الدالة على عدم الاهتمام أو الاكتراث، وهذا إما بسبب إحساسه بعلو جاه أسرته، أو لغناها، أو لتقدمه على أقرانه في الحفظ.
2- صدور سلوكيات سيئة من الطالب، أو تلفظه بألفاظ قبيحة داخل الحلقة أو خارجها، مما قد يستدعي الأمر من المعلم أن يوقّف الطالب من الحلقة بصورة مؤقتة، أو أن يعمل على استبعاده نهائياً.
3- عدم شعور الطالب بجو التنافس ولا بإذكاء روح الحماس لديه، مما انعكس ذلك عليه بالرتابة والملل وبالفتور والتبلد والصدود عن الحلقة.
د ) أسباب ناتجة عن حاجة الطالب إلى تذليل الصعاب التي قد تواجهه في الحلقة القرآنية:
وهذه المسؤولية منوطة بالمعلم وبولي الأمر وبالمشرف على الحلقة، فكل واحد منهم له دور في تذليل الصعاب التي قد تواجه الطالب، ومن تلك الصعوبات:
1- بُعد المنزل عن مكان الحلقة، وعدم قدرة الطالب على استخدام وسيلة مواصلات مناسبة، فيتعذر عليه الانتظام، ويكثر التأخر والغياب.
2- إحساس الطالب بعدم الاستفادة من الحلقة، وعدم وجود ثمرة مرجوة من الذهاب إليها، فأخذ يبحث عن حلقة أخرى يستفيد منها.
3- وجود صعوبات تقابل الطالب داخل الحلقة، كضعف مراجعته مثلاً، فينعكس ذلك على سلوكه عن طريق التسرب، فإذا ما كُلِّف بهذا الأمر أكثر من الغياب والانقطاع.
4- وجود مسؤوليات اجتماعية لدى الطالب، وبالأخص إذا كان كبيراً، فتجعله محتاجاً إلى وقت الحلقة.
5- ضعف مستوى الطالب العلمي، كأن يكون الطالب صغيراً لم يقرأ، أو كبيراً لم يحسن القراءة بالصورة الجيدة؛ فيحتاج إلى ترديد الدرس عدة مرات، فإن لم يجد من يساعده في ذلك أحسّ بالمشقة وبالعناء وانتابه الصدود والنفور.
6- ضعف قدرات الطالب العقلية، وانخفاض معدلات الذكاء والقدرة على الحفظ والاستذكار، فإن لم تجد من يحسن تقديرها ويراعيها أصيب الطالب بالإحباط وبالتبلد.2
7- شعور الطالب بعدم تجانسه مع بقية زملائه في الحلقة؛ نظراً لكونه كبيراً في السن مع زمرة من الصغار.
9- بغض الطالب للمعلم وعدم محبته له، جعلته يبحث عن مفتاح الخروج، فسلك بذلك طريق التسرب عن الحلقة.
ثانياً: أسباب متعلقة بمعلّم الحلقة:
أ ) أسباب في ذات المعلم:
1- ضعف شخصية المعلم، مما سهل على الطلاب الغياب والتسرب.
2- ضعف مستوى المعلم العلمي والتعليمي، مماجعل الطالب لم يقنع بذلك المعلم، وأخذ يبحث عن معلم جديد.3
3- عدم أوضعف انضباط المعلم بما يوجب عليه العمل في الحلقة. فكم من يومٍ حضر الطلاب والمعلم غير موجود، وكم من يومٍ أوصاهم المعلم بعدم الحضور لأنه مشغول، وكم من يوم جلس الطلاب والمعلم في غاية الشغل بعيداً عن تعليمهم، فهذه كلها صور إذا تكررت تجعل للطالب العذر في التساهل وطرق باب التسرب.
ب ) أسباب ناتجة عن قلة وعي المعلم بخطر التسرب:
فهناك من المعلمين من لم ينزعج من شبح هذه الظاهرة، وإنما قابل الأمر لا نقول برضى وإنما قابله بعدم الاهتمام واللامبالاة عملاً بمبدأ: الحلقة خيْرٌ، من أرادها فأهلاً ومن لم يردها فلا أهلاً ولا سهلاً، فنتجت عن هذه القناعة أسباب أدت إلى التسرب منها:
1- عدم متابعة المعلم لمن تغيب من الطلاب لأول مرة، ثم تعددت المرات فلم يعبأ به، لا بالسؤال ولا بتفقد الأحوال.
2- متابعة المعلم اليومية غير جادة، وتدوينه للغياب في سجل الحلقة غير دقيق، فرب غائب قد حضّره وحاضر قد غيبه.
3- عدم اتخاذ المعلم الإجراءات المناسبة تجاه الطالب المنقطع عن الحلقة، والذي يرغب في الرجوع والعودة، فأعاده وكأن شيئاً لم يكن.
4- عدم الاتصال المعلم بولي أمر الطالب، وتوضيح ما للتسرب من عواقب وآثار سلبية على الطالب.
5- الشعور الذي قد يجده المعلم إذا ما اتصل بولي أمر، فلم يجد منه إلا الإحراج وعدم الاحترام، مما قد يجعله يترك هذا الباب.
ج ) أسباب نابعة من عدم فهم المعلم للأساليب التربوية:
1- اهتمام المعلم بمجموعة قليلة من الطلاب دون الآخرين، مما أشعر الطالب أنه خارج الاهتمام، وأنه ليس له مكان، فقرر أن يترك الدوام، وينقطع بالتمام.
2- عدم مراعاة المعلم للفروق الفردية بين الطلاب، فالمقدارالمطلوب حفظه واحد للجميع؛ لأن زمن التحاق الطلاب واحد، فكيف يكون حالهم إذا ما علمنا أن فيهم الصغير، والآخر في القراءة متتعتع وثقيل، والثالث لسانه أعجمي يحتاج إلى تعديل؟.
3- عدم معرفة المعلم لإمكانات وقدرات الطلاب، ومنشطهم وفتورهم، فأخذ يكيل لهم الدرس من غير تحديد، وأوصاهم بالمراجعة وبكثرة التسميع، فكلفهم بما قد أثقل عليهم، وأشغل بالهم من غير أن يهتم.
4- عدم حرص المعلم على تكليف الطلاب، وتوضيح ما عليهم من واجبات؛ ليأخذوا استعدادهم بذلك من البيت فتنشط عزائمهم، وتقوى هممهم، ويشعروا بضرورة الحضور وبلوغ الهدف المنشود.
5- ابتلاء المعلم بطلاب مشاغبين، وعندما لا يسلك معهم سلوك المقوّمين يتسبب ذلك في تسرب المؤدبين الهادئين.
6- استخدام الشدة والقسوة المفرطة، وأن تفهّم أحوال الطالب فيه لين وضياع لهيبة المعلم، فأوقع بالطلاب العقاب ونادى على الطلاب بالتباب.4
7- استخدام المعلم لطريقة واحدة في التدريس لا يقبل فيها النقاش ولا الحوار، وقد تكون هذه الطريقة غير سليمة ولا صحيحة، فتجلب للطلاب المتاعب بما قد يعتريهم من ضعف المستوى. مثال على ذلك. انحسار أيام المراجعة ليوم بعد يوم أو ليوم واحد في الأسبوع.
د ) أسباب ناتجة عن ضعف إدارة المعلم للحلقة وسوء التنظيم فيها:
1- انضباط الحلقة مفقود، وحال الطلاب فيه كبحر يموج، فكيف يمكن للطالب أن يتعلم أو أن يحفظ ويستذكر ؟
2- كثرة عدد طلبة الحلقة صعّب على المعلم حصْرهم وعدهم، فكم من غائب ما درى عنه المعلم، وكم من حاضر ما سَمِعَ به المعلم، فعَلِم الطلاب أن حال من حضر كمن غاب، وليس هذه دعوة لتقليص الأعداد، بل للتأسيس المتين.
فالمؤمن يفرح بالشجرة الكبيرة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربه5.
3- تنظيم الطلاب داخل الحلقة لم يتناسب مع مكان الحلقة، ولا مع عدد الطلاب، فذاك طالب خلف عمود، والآخر قد جارى بصوته أصوات الطيور، والمعلم لم يأبه بمتابعة الحضور.
4- نظرة الطالب إلى معلمه وهو يكيل لطلبة الحلقة بصاعين، فهو يرى منه الاهتمام والتشجيع وتطبيق نظام الحلقة على طالب دون آخر.
5- استخدام روتين يومي في الحلقة، دونما تغيير ولا تجديد.
6- جو التنافس في الحلقة مفقود، وجو الرتابة والملل قد خيّم على الحضور، فانعكس ذلك على الطالب بالفتور.
7- وضع الكبار مع الصغار في حلقة واحدة مدعاة لانتشار الأوبئة والسلوكيات السيئة فالصغير سريع التقليد والتأثر.
8- تعاقب المعلمين على الحلقة، فكأن الحال كالتي نقضت غزلها من بعد قوة فكلما تقدم الطالب عاد القهقرى لمجيء معلم جديد.
9- عدم مناسبة زمن الحلقة، إذ يأتي الطالب فيه من المدرسة منهكاً، فيدركه وقت دوام الحلقة دون أن يجد الراحة الكافية التي تعينه على الحفظ والاستذكار.
هـ ) أسباب عارضة قد تشغل المعلم:
المعلم بشر قد يصاب ويعرض له ما يعرض لأي واحد منا، ومساعدته في هذا الأمر أحوج ما يكون هو إليها، حتى يؤدي رسالته على الوجه المطلوب، ويتفرغ بدوره لتعليم الأبناء بهجة القلوب، وبذل جهده وزيادة عطائه المنشود، فمن تلك الأسباب:
1- بعد المنزل عن مكان الحلقة وعدم توفر وسيلة نقل جيدة.
2- عدم كفاية الراتب لمتطلبات الحياة، مما يجعله كثير الهم، مع انشغال الذهن للبحث عن أمور تعينه في هذا الجانب.
3- كثرة المشاكل العائلية التي تواجهه كمرض ولدٍ ونحوه.
4- مرض المعلم ببعض الأمراض، مما فلّ قواه، وأنهك جسده، وأضعف جهده.6
ثالثاً: أسباب متعلقة بولي الأمر:
نجد أسباباً وصوراً سلبية من أولياء الأمور تساعد بدورها على التسرب وكثرة الغياب ومنها:
1- عدم إدراك ولي الأمر قدر حفظ القرآن، ولا قدر تعلمه، فسَهُل عليه غياب ولده، وأخذ يكلّفه بأعمال تشغله أثناء دوام حلقة القرآن.
2- تفريط ولي الأمر في تربية ابنه ودلاله، فاستهان بدوام الحلقة وانتظامه، فأكثر من الغياب ومن كثرة الأعذار.
3- عدم متابعة ولي الأمر لابنه بزيارة الحلقة القرآنية فيسأل عنه، أو يتصل بالمعلم، أو يقابله ليقف على حال ولده ومستواه، ومدى تقدمه في الحفظ، والتزامه بالأدب الإسلامي، واحترامه لأنظمة الحلقة.
رابعاً: أسباب نابعة من داخل الحلقة:
1- مكان الحلقة في المسجد غير مناسب.
2- جو الحلقة قد يكون حاراً أو بارداً أو الإضاءة في المكان غير كافية.7
خامساً: أسباب نابعة من خارج الحلقة:
1- وجود رفقاء سوء للطالب خارج الحلقة قد نشروا شباكهم وعمّوا بالبلوى رفيقهم، فعن القرآن قد أشغلوه، وفي السلوك غير السويّ قد أدخلوه، ولم يوجد من ينتزعه ويوعيه، ولا من شرورهم ينجيه.
2- وجود مصدر إيذاء للطالب خارج الحلقة، سواء في ذهابه من منزله إلى الحلقة، أو العكس، قد ملأه بالخوف وشتات الفكر والذهن.
3- وجود ملهيات كثيرة خارج المسجد تشغل الطلاب وتجعلهم بعيدين كل البعد عن حفظ القرآن كملعب أو مسبح أو غير ذلك.
4- ضعف مساندة المعلم من قبل إمام المسجد أوالأهالي في منطقة الحلقة.
سادساً: أسباب متعلقة بالجهة المشرفة على الحلقة:
الجهة المشرفة على الحلقة لها دور بارز، وأهداف تسعى لتحقيقها، وعليها مهام أساسية في خدمة الحلقة القرآنية، وتذليل الصعوبات التي قد يواجهها المعلم أو الطالب على السواء؛ إلا أن كثرة هذه الأعمال وتنوع المتابعة والأشغال قد يظهر من خلالها أسباب قد تعمل على التسرب والغياب ومن تلك الأسباب:
1- ضعف المتابعة من قبل الجهة المشرفة لجانب التسرب.
2- عدم وجود ضوابط وتنظيمات تعين على الحد من ظاهرة التسرب.
3- قلة أو انعدام الحوافز التشجيعية التي تقدم للطلبة؛ لدعم مسيرة الانتظام في الحلقة والبعد عن التسرب.8
4- عدم وجود برامج لتأهيل وإعداد المدرسين والرفع من قدراتهم، وتحسين مستوى أدائهم، وتوعيتهم تجاه ظاهرة التسرب، وكيفية التعامل معها.9
5- تغيير المدرسين في الحلقة الواحدة من وقت لآخر مع ما يصاحب ذلك من انقطاع الطلاب خلال تعاقب المدرسين.
6- تكليف المدرس بأكثر من عمل بشكل يفوق قدراته وإمكاناته، فيضيق بذلك دوام الحلقة، ويتسبب في الإخلال ببعض الجوانب المهمة كمتابعة الغياب.10
هذه أبرز أسباب تسرب الطلاب من حلقات تحفيظ القرآن الكريم، فلا بد من معرفة السبب ليتم العلاج الناجع -بإذن الله- وتستمر الحلقات في عطائها الدائم.. والحمد لله رب العالمين.
1 – هذا المقال مستفاد وبتصرف من موقع صيد الفوائد.
2 – انظر المدارس والكتاتيب القرآنية ص ( 87 ) .
3 – انظر المدارس والكتاتيب القرآنية ( ص 5 ) .
4 – انظر مهارات في التدريس ( ص 392 ).
5 – انظر مهارات التدريس في الحلقات القرآنية ( ص 390 ).
6 – انظر المدارس والكتاتيب القرآنية ( ص 84 ).
7 – المدارس والكتاتيب القرآنية ( ص 98 ).
8 – انظر المدارس والكتاتيب القرآنية ( ص 91 ).
9 – المصدر السابق ( ص 92 ).
10 – المصدر السابق ( ص 91 ).