صلاة الطلاب في مدرسة التحفيظ

صلاة الطلاب في مدرسة التحفيظ

صلاة الطلاب في مدرسة التحفيظ

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الأمين, وعلى آله وصحابته الغر الميامين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولا مثيل ولا معين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين.. أما بعد:

“فصلاة الجماعة من شعائر الإسلام التي أوجبها الله سبحانه لما فيها من الفوائد العظيمة. والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله كثيرة جداً، فالواجب على كل مسلم العناية بأمر صلاة الجماعة والمبادرة إليها امتثالاً لأمر الله ورسوله وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق.

ولأهمية صلاة الجماعة ولما فيها من الفوائد العامة والخاصة رتب الله عليها الأجر العظيم, ورغب فيها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأخبر أن صلاة الرجل في جماعة تفضل صلاته لوحده وأن الصلاة في جماعة سبب للعصمة من الشياطين”1.

والمساجد شاهدة على أهلها يوم القيامة بما أدوه فيها من عبادة.

فهذا تنبيه وتذكير لمدرسي وطلاب تحفيظ القرآن, وخاصة تلك المدارس القريبة من مسجد الحي الذي يعلم الأبناء فيه كتاب الله تعالى, ذلكم أنه وجد في واقع بعض هذه المدارس والتي هي في الحقيقة تقوم بدور عظيم؛ حيث يتم تنشئة جيل إسلامي حافظ لكتاب الله تعالى يقيمون حروفه كما أنزله الله –عز وجل- ويتعلمون مع ذلك أمور دينهم من خلال الدروس التي تتخلل تحفيظ كتاب الله سبحانه وتعالى من معرفة العقيدة الصحيحة وتعلم أحكام الإسلام الفقهية، وكذا الآداب والسلوك في المعاملات والعبادات.

ولكن مما لوحظ –ولذا وجب التنبيه عليه- أن بعض الطلاب في بعض مدارس التحفيظ كأولئك الذين يدرسون القرآن ويحفظونه بين صلاتي المغرب والعشاء نجد بعضهم يسمعون أذان العشاء مثلاً لكنهم يتوانون في الاستجابة له ولا يشهدون الصلاة مع الجماعة في المسجد, وحجتهم في ذلك أنهم سيصلون في المدرسة جماعة وبالتالي فهم لم يرتكبوا شيئاً غير لائق في نظرهم.

ونحن نقول إن هذا العمل لمن بيته أو مدرسته أو متجره قريباً من المسجد ولو صلى في جماعة نقول له قد أتيت خطأً فادحاً, ذلكم أن هذه الصلاة في الجماعة واظب عليها محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يمنعه أن يأتيها في المسجد إلا مرضه الأخير الذي أقعده فلم يخرج إلا فرضاً واحداً -صلى الله عليه وسلم- يعني ما ترك المسجد والجماعة إلا ما يقارب من ستة أيام -صلى الله عليه وسلم-  بل إنه كان ملازماً للمسجد محافظاً عليه، هكذا كان، وهكذا كان أصحابه وخلفاؤه، وهكذا المسلمون في قرونهم الخالية.

محمد -صلى الله عليه وسلم- أرشد إلى الجماعة بوجوه عديدة، فأولاً بيّن  لنا -صلى الله عليه وسلم- فضل الإتيان إلى المساجد سواء فضل إتيانها عموم الأوقات أو بعض الأوقات، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ, أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)2. فهذا فضل كبير للمسلم ويحمد الله أن وضع هذا الثواب لعمل هو قادر على أدائه, (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)3. وهذا أيضاً فضل كبير.

ثم يأتينا دور التحذير من ترك الجماعة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ, ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا, ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ, ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ)4. ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا أي: صلاة العشاء والفجر)5.

إذن الفضل عظيم, والوعيد للمتخلف بهذه العقوبة يدل على أن تخلفه معصية استحق بها هذا الوعيد الشديد, ويقول عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- كان الرجل منّا إذا تخلف عن الفجر في الجماعة أسأنا به الظن أن يكون نائماً.

ثم يأتي دور الفضل العظيم والدرجات العظيمة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ -لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ- لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ, فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ)6. إذن هذا الفضل العظيم، هل تسمح نفس مؤمن أن يفوّته على نفسه؟ وهل يرضى لنفسه أن يفوت هذا الثواب مع قدرته وتمكنه منه؟!!

إن صلاة واحدة في المسجد تحسب لك خمساً وعشرين صلاة صليتها، إنه لفضل، ثم إن الملائكة المقربين يصلون عليك، اللهم صل عليه، الله اغفر له، اللهم ارحمه، ثم أنت محسوب في عداد المصلين ما دمت في المسجد، ثم تؤمن خلف الإمام فإذا وافق تأمينك تأمين الملائكة غفر الله لك ما تقدم من ذنبك.

أخـي في الله:

هنا فكرة طرأت على بعض من ضعف إيمانه وقلَّ فقهه وأظلم قلبه للأسف الشديد، فكرة سمحت لأناس قالوا: إن الصلاة في البيوت أفضل من الصلاة في المسجد، وقالوا: إن المسجد والبيت كلاهما سواء في أداء الصلاة وقالوا: إن الآمرين للناس بالجماعة تدخلوا في خصوصية الإنسان وأهانوا الإنسان وسلبوه خصوصيته عندما دعوه إلى المسجد وإلى الصلاة وقالوا: إن الدعوة للجماعة دعوة غير صحيحة, وأما الأذان فإعلام لمن يصلي في بيته وإلا فلا شأن له!! هذه الفكرة يا ليتها في نفوسهم كاملة، ويا ليتها في نفوسهم والله سيجازيهم عليها، لكن للأسف ألفوا في هذا مؤلفاً ونشروا سفراً فيه وأعادوا وأبدوا وقالوا وانتحلوا، ومهما قالوا عن الجماعة والخلاف في وجوبها أو عدمه، لكن المسلمين مجمعون على أن الصلاة في المساجد أفضل، هذا في إجماعهم وما يرتاب مسلم في ذلك.

إن هذه الفكرة، فكرة خاطئة، ومناقضة للسنّة وما عليه سلف هذه الأمة، هذا عبدالله بن مسعود يقول: “من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حين ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا “أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم” وما يتخلف عنها -الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق وإنه ليؤتى بالرجل يُهادى بين رجلين حتى يقام في الصف”.

ما يقول عبدالله هذا القول عن رأي واستحسان، وإنما يقوله عن شرع أخذه من محمد -صلى الله عليه وسلم-.

إن هذه الصلوات الخمس وإتيانها رباط في سبيل الله يقول -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ, وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ, وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ, فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ, فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ, فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ)7.

والمساجد شاهدة على أهلها يوم القيامة بما أدوه فيها من عبادة: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (12) سورة يــس. فآثارنا في هذه المساجد كآثار وضوئنا وآثار ترددنا إلى المساجد ستجده إن شاء الله شافعاً لنا وشاهداً لنا يوم قدومنا على ربنا، يوم نقدم عليه بأعمالنا قد فارقنا الدنيا وشهواتها ولذاتها وكما قال الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ} (94) سورة الأنعام. فما أحوج المسلم في ذلك اليوم إلى عمل صالح يثقل به ميزان أعماله.8

لذلك أيها الإخوة وخاصة -مدرسي ومربي طلاب التحفيظ- لابد من التوجيه والرعاية لطلابكم وتنبيههم على الاهتمام بالمساجد والحفاظ على صلاة الجماعة فيها فهذه من أساسيات عملكم كمحفظين, ولتكونوا لهم القدوة الطيبة بأن تأخذوا بالعزيمة وتتقدموا قبل طلابكم هرعاً إلى الصلاة في المسجد بمجرد سماعكم للأذان وهم قطعاً سيلتزمون بآدابكم وسلوككم؛ فليس الأمر مجرد تحفيظهم كتاب الله فحسب، بل لابد من تعليمهم شأن القيام به كما أراد الله تعالى.

نسأل الله -جل وعلا- أن يوفق الجميع إلى مرضاته, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.


 


1 الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية لـ(د.راشد بن حسين العبد الكريم) (ج 1 / ص 142).

2 رواه مسلم (1073) (ج 3 / ص 421).

3 رواه أبو داود (474) (ج 2 / ص 168) والترمذي (207) (ج 1 / ص 377) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (721).

4 رواه البخاري (608) (ج 3 / ص 32) ومسلم (1041) (ج 3 / ص 380) واللفظ للبخاري.

5 رواه البخاري (617) (ج 3 / ص 46) ومسلم (1041) (ج 3 / ص 380).

6 رواه البخاري (611) (ج 3 / ص 36).

7 رواه مسلم (369) (ج 2 / ص 57) وموطأ مالك (348) (ج 2 / ص 6) والترمذي (47) (ج 1 / ص 87).

8 عن موقع الدعوة، بتصرف.